الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 385 ] فصل في ذكر شيء من سيرته وهي دالة على فضيلته ، رضي الله عنه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن مسعود : لما توفي عمر بايعنا خيرنا ولم نأل . وفي رواية : بايعوا خيرهم ولم يألوا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الأصمعي ، عن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان بن عفان ، قال : كان نقش خاتم عثمان : آمنت بالذي خلق فسوى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال محمد بن المبارك : بلغني أنه كان نقش خاتم عثمان : آمن عثمان بالله العظيم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري في " التاريخ " : ثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا مبارك بن فضالة ، قال : سمعت الحسن يقول : أدركت عثمان على ما نقموا عليه ، قلما يأتي على الناس يوم إلا وهم يقتسمون فيه خيرا ، يقال لهم : يا معشر المسلمين ، اغدوا على أعطياتكم . فيأخذونها وافرة ، ثم يقال لهم : اغدوا على أرزاقكم . فيأخذونها وافرة ، ثم يقال لهم : اغدوا على السمن والعسل ، الأعطيات جارية ، والأرزاق دارة ، والعدو متقى ، وذات البين حسن ، والخير [ ص: 386 ] كثير ، وما من مؤمن يخاف مؤمنا ، من لقيه فهو أخوه من كان ; ألفته ونصيحته ومودته ، قد عهد إليهم أنها ستكون أثرة ، فإذا كانت فاصبروا . قال الحسن : فلو أنهم صبروا حين رأوها لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق والخير الكثير ، قالوا : لا والله ما نصابرها . فوالله ما ردوا وما سلموا ، والأخرى كان السيف مغمدا عن أهل الإسلام فسلوه على أنفسهم ، فوالله ما زال مسلولا إلى يوم الناس هذا ، وايم الله إني لأراه سيفا مسلولا إلى يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال غير واحد ، عن الحسن البصري ، قال : سمعت عثمان يأمر في خطبته بذبح وقتل الكلاب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى سيف بن عمر أن أهل المدينة اتخذ بعضهم الحمام ، ورمى بعضهم بالجلاهقات ، فوكل عثمان رجلا من بني ليث يتتبع ذلك ، فيقص الحمام ويكسر الجلاهقات ، وهي قسي البندق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال محمد بن سعد : أنبأنا القعنبي ، وخالد بن مخلد ، ثنا محمد بن هلال ، عن جدته - وكانت تدخل على عثمان وهو محصور - فولدت هلالا ، ففقدها يوما ، فقيل له : إنها قد ولدت هذه الليلة غلاما . قالت : فأرسل إلي بخمسين درهما وشقيقة سنبلانية ، وقال : هذا عطاء ابنك وكسوته ، فإذا مرت به سنة رفعناه إلى مائة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 387 ] وروى الزبير بن أبي بكر ، عن محمد بن سلام ، عن ابن داب ، قال : قال ابن سعيد بن يربوع بن عنكثة المخزومي : انطلقت وأنا غلام في الظهيرة ومعي طير أرسله في المسجد ، والمسجد يبنى ، فإذا شيخ جميل حسن الوجه نائم ، تحت رأسه لبنة أو بعض لبنة ، فقمت أنظر إليه أتعجب من جماله ، ففتح عينيه ، فقال : من أنت يا غلام ؟ فأخبرته ، فنادى غلاما نائما ، قريبا منه ، فلم يجبه ، فقال لي : ادعه . فدعوته ، فأمره بشيء وقال لي : اقعد . قال : فذهب الغلام فجاء بحلة ، وجاء بألف درهم ، ونزع ثوبي وألبسني الحلة ، وجعل الألف درهم فيها ، فرجعت إلى أبي فأخبرته ، فقال : يا بني من فعل هذا بك ؟ فقلت : لا أدري إلا أنه رجل في المسجد نائم لم أر قط أحسن منه . قال : ذاك أمير المؤمنين عثمان بن عفان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال عبد الرزاق ، عن ابن جريج : أخبرني يزيد بن خصيفة ، عن السائب بن يزيد أن رجلا سأل عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن صلاة طلحة بن عبيد الله ؟ قال : إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان ؟ قال : [ ص: 388 ] نعم . قال : قلت لأغلبن الليلة النفر على الحجر - يعني المقام - فلما قمت إذا رجل يزحمني مقنعا ، قال : فالتفت فإذا بعثمان فتأخرت عنه ، فصلى فإذا هو يسجد سجود القرآن حتى إذا قلت : هذا هو أذان الفجر . أوتر بركعة لم يصل غيرها ، ثم انطلق . وقد روي هذا من غير وجه أنه صلى بالقرآن العظيم في ركعة واحدة عند الحجر الأسود ، أيام الحج . وقد كان هذا من دأبه ، رضي الله عنه . ولهذا روينا عن ابن عمر أنه قال في قوله تعالى : أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه [ الزمر : 9 ] قال : هو عثمان بن عفان . وقال ابن عباس في قوله تعالى : هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم [ النحل : 76 ] . قال : هو عثمان بن عفان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال حسان :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال سفيان بن عيينة : ثنا إسرائيل بن موسى ، سمعت الحسن يقول : قال عثمان : لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا ، وإني لأكره أن يأتي علي يوم لا أنظر في المصحف ، وما مات عثمان حتى خرق مصحفه من كثرة ما [ ص: 389 ] يديم النظر فيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أنس ومحمد بن سيرين : قالت امرأة عثمان يوم الدار : اقتلوه أو دعوه فوالله لقد كان يحيي الليل بالقرآن في ركعة . وقال غير واحد : إنه ، رضي الله عنه ، كان لا يوقظ أحدا من أهله إذا قام من الليل ليعينه على وضوئه ، إلا أن يجده يقظان ، وكان يصوم الدهر ، وكان يعاتب فيقال له : لو أيقظت بعض الخدم ؟ فيقول : لا ، الليل لهم يستريحون فيه . وكان إذا اغتسل لا يرفع المئزر عنه ، وهو في بيت مغلق عليه ، ولا يرفع صلبه جيدا من شدة حيائه ، رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية