الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 46 ] باب منه

                                                                                      عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح " . هذا حديث ضعيف ، فيه متروكان : الواقدي ، وأبو بكر بن أبي سبرة .

                                                                                      وورد مثله عن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن الحسين ، عن علي ، وهو منقطع إن صح عن جعفر بن محمد ، ولكن معناه صحيح .

                                                                                      وقال خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق ، عن ابن أبي الجدعاء ، قال : قلت : يا رسول الله ، متى كنت نبيا ؟ قال : " وآدم بين الروح والجسد " .

                                                                                      وقال منصور بن سعد ، وإبراهيم بن طهمان واللفظ له : قال : حدثنا بديل بن ميسرة ، عن عبد الله بن شقيق ، عن ميسرة الفجر ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا ؟ قال : " وآدم بين الروح والجسد " .

                                                                                      وقال الترمذي : حدثنا الوليد بن شجاع ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : سئل النبي صلى الله عليه وسلم : متى وجبت لك النبوة ؟ قال : " بين خلق آدم ونفخ الروح فيه " قال الترمذي : حسن غريب .

                                                                                      قلت : لولا لين في الوليد بن مسلم لصححه الترمذي .

                                                                                      وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدثني ثور بن يزيد ، [ ص: 47 ] عن خالد بن معدان ، عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا : يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك قال : " دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أمي حين حملت بي كأن نورا خرج منها أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام " .

                                                                                      وروينا بإسناد حسن - إن شاء الله - عن العرباض بن سارية ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إني عبد الله وخاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأخبركم عن ذلك : دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى لي ، ورؤيا أمي التي رأت " . وإن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاءت منه قصور الشام .

                                                                                      ورواه الليث ، وابن وهب ، عن معاوية بن صالح ، سمع سعيد بن سويد يحدث عن عبد الأعلى بن هلال السلمي ، عن العرباض ، فذكره .

                                                                                      ورواه أبو بكر بن أبي مريم الغساني ، عن سعيد بن سويد ، عن العرباض نفسه .

                                                                                      وقال فرج بن فضالة : حدثنا لقمان بن عامر ، قال : سمعت أبا أمامة ، قال قلت : يا رسول الله ، ما كان بدء أمرك ؟ قال : " دعوة إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام " . رواه أحمد في " مسنده " عن أبي النضر ، عن فرج .

                                                                                      قوله : " لمنجدل " أي ملقى ، وأما دعوة إبراهيم فقوله : ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ( 129 ) ) [ البقرة ] وبشارة عيسى قوله : ( ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ( 6 ) ) [ الصف ] .

                                                                                      وقال أبو ضمرة : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قسم الله الأرض نصفين فجعلني في خيرهما ، ثم قسم النصف [ ص: 48 ] على ثلاثة فكنت في خير ثلث منها ، ثم اختار العرب من الناس ، ثم اختار قريشا من العرب ، ثم اختار بني هاشم من قريش ، ثم اختار بني عبد المطلب من بني هاشم ، ثم اختارني من بني عبد المطلب " هذا حديث مرسل .

                                                                                      وروى زحر بن حصن ، عن جده حميد بن منهب ، قال : سمعت جدي خريم بن أوس بن حارثة يقول : هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك ، فسمعت العباس ، يقول : يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك . فقال : " قل لا يفضض الله فاك " . فقال :


                                                                                      من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورق     ثم هبطت البلاد لا بشر
                                                                                      أنت ولا مضغة ولا علق     بل نطفة تركب السفين وقد
                                                                                      ألجم نسرا وأهله الغرق     تنقل من صالب إلى رحم
                                                                                      إذا مضى عالم بدا طبق     حتى احتوى بيتك المهيمن من
                                                                                      خندف علياء تحتها النطق     وأنت لما ولدت أشرقت ال-
                                                                                      أرض وضاءت بنورك الأفق     فنحن في ذلك الضياء وفي النو
                                                                                      ر وسبل الرشاد نخترق

                                                                                      الظلال : ظلال الجنة . قال الله تعالى : إن المتقين في ظلال وعيون [ المرسلات ] . والمستودع : هو الموضع الذي كان فيه آدم وحواء يخصفان عليهما من الورق ، أي : يضمان بعضه إلى بعض يتستران به ، ثم هبطت إلى الدنيا في صلب آدم ، وأنت لا بشر ولا مضغة .

                                                                                      وقوله : " تركب السفين " يعني : في صلب نوح . وصالب لغة غريبة في الصلب ، ويجوز في الصلب الفتحتان كسقم وسقم .

                                                                                      والطبق : القرن ، أي : كلما مضى عالم وقرن جاء قرن ، ولأن القرن [ ص: 49 ] يطبق الأرض بسكناه بها . ومنه قوله عليه السلام في الاستسقاء : " اللهم اسقنا غيثا مغيثا طبقا غدقا " ، أي : يطبق الأرض . وأما قوله تعالى : ( لتركبن طبقا عن طبق ( 19 ) ) [ الانشقاق ] أي : حالا بعد حال .

                                                                                      والنطق : جمع نطاق وهو ما يشد به الوسط ومنه المنطقة . أي : أنت أوسط قومك نسبا . وجعله في علياء وجعلهم تحته نطاقا . وضاءت : لغة في أضاءت .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية