الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن عباس بن سهل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر استقوا من بئرها . فلما راحوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تشربوا من مائها ، ولا توضئوا منه ، وما كان من عجين عجنتموه منه فاعلفوه الإبل ، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له " ففعل الناس ما أمرهم ، إلا رجلين من بني ساعدة ; خرج أحدهما لحاجته والآخر لطلب بعير له فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه ، وأما الآخر فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيء . فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألم أنهكم ؟ ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي . وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من تبوك . هذا مرسل منكر .

                                                                                      وقال ابن وهب : أخبرني معاوية ، عن سعيد بن غزوان ، عن أبيه : أنه نزل بتبوك وهو حاج ، فإذا رجل مقعد ، فسألته عن أمره ، فقال : سأحدثك حديثا فلا تحدث به ما سمعت أني حي : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بتبوك إلى نخلة ، فقال : " هذه قبلتنا " ثم صلى إليها . فأقبلت ، وأنا [ ص: 242 ] غلام أسعى حتى مررت بينه وبينها ، فقال : " قطع صلاتنا ، قطع الله أثره " قال : فما قمت عليها إلى يومي هذا .

                                                                                      وقال سعيد بن عبد العزيز ، عن مولى ليزيد بن نمران ، عن يزيد بن نمران ، قال : رأيت مقعدا بتبوك . فقال : مررت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على حمار وهو يصلي . فقال : " اللهم اقطع أثره " فما مشيت عليهما بعد . أخرجهما أبو داود .

                                                                                      وقال يزيد بن هارون : أخبرنا العلاء أبو محمد الثقفي ، قال : سمعت أنس بن مالك ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك ، فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم أرها طلعت فيما مضى ، فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا جبريل ، مالي أرى الشمس اليوم طلعت بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت فيما مضى ؟ " فقال : ذاك أن معاوية بن معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم ، فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه . قال : " وفيم ذاك " ؟ قال : كان يكثر قراءة ( قل هو الله أحد ( 1 ) ) [ الإخلاص ] بالليل والنهار ، وفي ممشاه وقيامه وقعوده ، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه ؟ قال : " نعم " قال : فصلى عليه ، ثم رجع . العلاء منكر الحديث واه . ورواه الحسن الزعفراني ، عن يزيد .

                                                                                      وقال يونس بن محمد : حدثنا صدقة بن أبي سهل ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، أن معاوية بن معاوية المزني توفي والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فأتاه جبريل ، فقال : هل لك في جنازة معاوية المزني ؟ قال : نعم . فقال : هكذا ; ففرج له عن الجبال والآكام . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ومعه جبريل في سبعين ألف ملك ، فصلى عليه . فقال : يا [ ص: 243 ] جبريل ، بم بلغ هذا ؟ قال : بكثرة قراءة ( قل هو الله أحد ( 1 ) ) [ الإخلاص ] كان يقرؤها قائما وقاعدا وراكبا وماشيا . مرسل .

                                                                                      وقال ابن جوصا ، وعلي بن سعيد الرازي ، وأبو الدحداح أحمد بن محمد - واللفظ له - قالوا : حدثنا نوح بن عمرو بن حوي السكسكي ، قال : حدثنا بقية ، قال : حدثنا محمد بن زياد الألهاني ، عن أبي أمامة ، قال : نزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك ، فقال : احضر جنازة معاوية بن معاوية المزني . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهبط جبريل في سبعين ألفا من الملائكة ، فوضع جناحه على الجبال فتواضعت حتى نظروا إلى مكة والمدينة . فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل والملائكة . فلما قضى صلاته ، قال : " يا جبريل ، بم أدرك معاوية بن معاوية هذه المنزلة من الله ؟ " قال : بقراءة ( قل هو الله أحد ( 1 ) ) قائما وقاعدا وراكبا وماشيا .

                                                                                      قلت : ما علمت في نوح جرحا ، ولكن الحديث منكر جدا ، ما أعلم أحدا تابعه عليه أصلا عن بقية . وقد أورد ابن حبان حديث العلاء ، وقال : حديث منكر لا يتابع عليه . قال : ولا أحفظ في الصحابة من يقال له معاوية بن معاوية . وقد سرق هذا الحديث شيخ من أهل الشام ، ورواه عن بقية ، عن محمد بن زياد ، عن أبي أمامة الباهلي .

                                                                                      وقال عثمان بن الهيثم المؤذن : حدثنا محبوب بن هلال ، عن عطاء بن أبي ميمونة ، عن أنس ، قال : جاء جبريل فقال : يا محمد ، مات معاوية بن معاوية المزني ، أفتحب أن تصلي عليه ؟ قال : نعم . فضرب بجناحه فلم يبق من شجرة ولا أكمة إلا تضعضعت له . فصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة ، في كل صف سبعون ألف ملك . قلت : يا [ ص: 244 ] " جبريل ، بم نال هذا ؟ " قال : بحبه
                                                                                      ( قل هو الله أحد ( 1 ) ) يقرؤها قائما وقاعدا وذاهبا وجائيا ، وعلى كل حال . محبوب مجهول ، لا يتابع على هذا .

                                                                                      قال البكائي : قال ابن إسحاق : فلما أصبح الناس ، يعني من يوم الحجر ، ولا ماء معهم ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل الله سحابة ، فأمطرت حتى ارتوى الناس . فحدثني عاصم ، قال : قلت لمحمود بن لبيد : هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم ؟ قال : نعم والله ، لقد أخبرني رجال من قومي ، عن رجل من المنافقين ; لما كان من أمر الحجر ما كان ; ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا فأرسل الله السحابة ، فأمطرت . قالوا : أقبلنا عليه نقول : ويحك ، هل بعد هذا شيء ؟ قال : سحابة سائرة .

                                                                                      قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار ، فضلت ناقته ، فخرج أصحابه في طلبها ، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه يقال له عمارة بن حزم ، وكان عقبيا بدريا ، وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي وكان منافقا ، فقال زيد ، وهو في رحل عمارة ، أليس يزعم محمد أنه نبي ، ويخبركم عن خبر السماء ، وهو لا يدري أين ناقته ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعمارة عنده : " إن رجلا قال كذا وكذا . وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله ، وقد دلني الله عليها ، وهي في هذا الوادي في شعب كذا ، وقد حبستها شجرة بزمامها " فذهبوا فجاءوا بها . فذهب عمارة إلى رحله ، فقال : والله عجب من شيء حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا ، من مقالة قائل أخبره الله عنه بكذا وكذا ، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم : زيد والله ، قال هذه المقالة قبل [ ص: 245 ] أن تأتي . فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه ، ويقول : أي عباد الله ، إن في رحلي لداهية وما أشعر . اخرج أي عدو الله من رحلي . فزعم بعضهم أن زيدا تاب بعد ذلك .

                                                                                      قال ابن إسحاق : وقد كان رهط ، منهم وديعة بن ثابت ، ومخشن بن حمير ; يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو منطلق إلى تبوك ، فقال بعضهم لبعض : أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا ؟ والله لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال ; إرجافا وترهيبا للمؤمنين . فقال مخشن بن حمير : والله لوددت أني أقاضى على أن يضرب كل منا مائة جلدة ، وأنا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه .

                                                                                      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني ، لعمار بن ياسر : أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا ، فسلهم عما قالوا ، فإن أنكروا فقل : بلى ، قلتم كذا وكذا . فانطلق إليهمعمار ، فقال ذلك لهم . فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون . فقال وديعة بن ثابت : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب . فنزلت : ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون ( 65 ) ) [ التوبة ] فقال مخشن بن حمير : يا رسول الله ، قعد بي اسمي واسم أبي . فكان الذي عفي عنه في هذه الآية [ ص: 246 ] مخشن ; يعني ( إن نعف عن طائفة منكم ( 66 ) ) [ التوبة ] فتسمى عبد الرحمن ، فسأل الله أن يقتله شهيدا لا يعلم بمكانه . فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر .

                                                                                      ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ، أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة ، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية . وأتاه أهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية . وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا ، فهو عندهم .

                                                                                      وقال موسى بن عقبة : قال ابن شهاب : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته تلك تبوك ولم يتجاوزها . وأقام بضع عشرة ليلة ; يعني بتبوك .

                                                                                      وقال يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن جابر ، قال : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة . أخرجه أبو داود وإسناده صحيح .

                                                                                      فائدة : قال ابن إسحاق : أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أيلة بردة مع كتابه ، فاشتراها منهم أبو العباس عبد الله بن محمد - يعني السفاح - بثلاث مائة دينار .

                                                                                      وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، ويزيد بن رومان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك ; رجل من كندة ، وكان ملكا على دومة وكان نصرانيا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد : إنك ستجده يصيد البقر . فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه منظر العين في ليلة مقمرة صافية ، وهو على سطح ومعه امرأته ، فأتت البقر تحك بقرونها باب القصر . فقالت له امرأته : هل رأيت - مثل هذا قط ؟ قال : لا والله . قالت : فمن يترك مثل هذا ؟ قال : لا أحد . فنزل فأمر بفرسه فأسرج ، وركب معه نفر من أهل بيته ، فيهم أخوه [ ص: 247 ] حسان . فتلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته وقتلوا أخاه ، وقدموا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحقن دمه وصالحه على الجزية ، وأطلقه .

                                                                                      فائدة : قال عبيد الله بن إياد بن لقيط ، عن أبيه ، عن قيس بن النعمان السكوني ، قال : خرجت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع بها أكيدر ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : بلغنا أن خيلك انطلقت فخفت على أرضي ، فاكتب لي كتابا فإني مقر بالذي علي . فكتب له . فأخرج قباء من ديباج مما كان كسرى يكسوهم ، فقال : يا محمد اقبل عني هذا هدية . قال : " ارجع بقبائك فإنه ليس يلبس هذا أحد إلا حرمه في الآخرة " فشق عليه أن رده . قال : " فادفعه إلى عمر " فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أحدث في أمر ؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى وضع يده ، أو ثوبه ، على فيه ثم قال : " ما بعثت به إليك لتلبسه ، ولكن تبيعه وتستعين بثمنه " .

                                                                                      وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، قال : ولما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة ، بعث خالدا في أربع مائة وعشرين فارسا إلى أكيدر دومة الجندل ، فلما عهد إليه عهده ، قال خالد : يا رسول الله ، كيف بدومة الجندل وفيها أكيدر ، وإنما نأتيها في عصابة من المسلمين ؟ فقال : " لعل الله يكفيكه " فسار خالد ، حتى إذا دنا من دومة نزل في أدبارها . فبينما هو وأصحابه في منزلهم ليلا ، إذ أقبلت البقر حتى جعلت تحتك بباب الحصن ، وأكيدر يشرب ويتغنى بين امرأتيه . فاطلعت إحداهما فرأت البقر ، فقالت : لم أر كالليلة في اللحم . فثار وركب فرسه ، وركب غلمته وأهله ، فطلبها . حتى مر بخالد وأصحابه فأخذوه ومن معه فأوثقوهم . ثم قال خالد لأكيدر : أرأيت إن أجرتك تفتح لي دومة ؟ قال : نعم . فانطلق حتى دنا منها ، فثار أهلها وأرادوا أن [ ص: 248 ] يفتحوا له ، فأبى عليهم أخوه . فلما رأى ذلك قال لخالد : أيها الرجل ، حلني ، فلك الله لأفتحنها لك ، إن أخي لا يفتحها ما علم أني في وثاقك . فأطلقه خالد ، فلما دخل أوثق أخاه وفتحها لخالد ، ثم قال : اصنع ما شئت . فدخل خالد وأصحابه . ثم قال : يا خالد ، إن شئت حكمتك ، وإن شئت حكمتني . فقال خالد : بل نقبل منك ما أعطيت . فأعطاهم ثمان مائة من السبي وألف بعير وأربع مائة درع وأربع مائة رمح .

                                                                                      وأقبل خالد بأكيدر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل معه يحنة بن رؤبة عظيم أيلة . فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشفق أن يبعث إليه كما بعث إلى أكيدر ، فاجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاضاهما على قضيته ; على دومة وعلى تبوك وعلى أيلة وعلى تيماء ، وكتب لهم به كتابا ، ورجع قافلا إلى المدينة .

                                                                                      ثم ذكر عروة قصة في شأن جماعة من المنافقين هموا بأذية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلعه الله على كيدهم . وذكر بناء مسجد الضرار .

                                                                                      وذكر ابن إسحاق ، عن ثقة من بني عمرو بن عوف : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من تبوك حتى نزل بذي أوان ; بينه وبين المدينة ساعة من نهار . وكان أصحاب مسجد الضرار قد أتوه ، وهو يتجهز إلى تبوك ، فقالوا : قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة ، وإنا نحب أن تأتي فتصلي لنا فيه . فقال : إني على جناح سفر ، فلو رجعنا إن شاء الله أتيناكم . فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي أوان ، أتاه خبر السماء ، فدعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي ، فقال : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وأحرقاه . فخرجا سريعين حتى دخلاه وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه . ونزل فيه من القرآن ما نزل .

                                                                                      [ ص: 249 ] وقال أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحراني . حدثنا محمد بن سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن حذيفة ، قال : كنت آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به ، وعمار يسوقه ; أو قال : عمار يقوده وأنا أسوقه ; حتى إذا كنا بالعقبة ، فإذا أنا باثني عشر راكبا قد اعترضوه فيها ، فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فصرخ بهم فولوا مدبرين . فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل عرفتم القوم ؟ قلنا : لا ، قد كانوا ملثمين . قال : هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة ، أرادوا أن يزحموني في العقبة لأقع . قلنا : يا رسول الله ، أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم ؟ قال : لا ، أكره أن يتحدث العرب أن محمدا قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم . ثم قال : " اللهم ارمهم بالدبيلة " قلنا : يا رسول الله ، وما الدبيلة ؟ قال : " شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك " .

                                                                                      وقال قتادة ، عن أبي نضرة ، عن قيس بن عباد ، في حديث ذكره عن عمار بن ياسر ، أن حذيفة حدثه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " في أصحابي اثنا عشر منافقا ، منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " . أخرجه مسلم .

                                                                                      وقال عبد الله بن صالح المصري : حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا ( 107 ) ) [ التوبة ] قال : أناس بنوا مسجدا فقال لهم أبو عامر : ابنوا مسجدكم واستمدوا ما استطعتم من قوة وسلاح ، فإني ذاهب إلى قيصر فآتي بجند من الروم ، فأخرج محمدا وأصحابه . فلما فرغوا من مسجدهم أموا النبي [ ص: 250 ] صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : نحب أن تصلي فيه . فنزلت : ( لا تقم فيه أبدا ( 108 ) ) [ التوبة ] الآيات . وقال ابن عيينة ، عن الزهري ، عن السائب بن يزيد ، قال : أذكر أنا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك ، خرجنا مع الصبيان نتلقاه إلى ثنية الوداع . أخرجه البخاري .

                                                                                      وقال غير واحد ، عن حميد ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة ، قال : " إن بالمدينة لأقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد ؛ إلا كانوا معكم فيه " . قالوا : يا رسول الله ، وهم بالمدينة ؟ قال : " نعم ؛ حبسهم العذر " أخرجه البخاري .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية