الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 301 ] فصل في معجزاته صلى الله عليه وسلم

                                                                                      سوى ما مضى في غضون المغازي

                                                                                      قال حاتم بن إسماعيل ، عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار ، قبل أن يهلكوا ، فكان أول من لقينا أبو اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام له ، فذكر الحديث ، ثم قال : حتى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده فقال : سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح ، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته واتبعته بإداوة من ماء ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به ، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحديهما ، فأخذ بغصن من أغصانها ، فقال : " انقادي علي بإذن الله " . فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده ، حتى أتى الشجرة الأخرى ، فأخذ بغصن من أغصانها ، فقال : " انقادي علي بإذن الله " . فانقادت معه كذلك ، حتى إذا كان بالمنصف فيما بينهما ، لأم بينهما ، فقال : " التئما علي بإذن الله " . فالتأمتا ، قال جابر : فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي ؛ يعني فيتبعد ، فجلست أحدث نفسي ، فحانت مني لفتة ، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا ، وإذا الشجرتان قد افترقتا ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة فقال برأسه هكذا ، يمينا وشمالا ، ثم أقبل ، فلما انتهى إلي [ ص: 302 ] قال : " يا جابر هل رأيت مقامي " ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة غصنا فأقبل بهما ، حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك . قال : فقمت فأخذت حجرا فكسرته وجشرته ، فانذلق لي ، فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا ، ثم أقبلت أجرهما ، حتى إذا قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري ، ثم لحقت ، فقلت : قد فعلت يا رسول الله فعم ذاك ؟ قال : " إني مررت بقبرين يعذبان ، فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين " . ثم ذكر حديثا طويلا ، وفيه إعواز الناس الماء ، وأنه أتاه بيسير ماء فوضع يده فيه في قصة ، قال : فرأيت الماء يتفور من بين أصابعه ، فاستقى منه الناس حتى رووا . أخرجه مسلم .

                                                                                      وقال الأعمش وغيره ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : بينما نحن في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حضرت الصلاة ، وليس معنا ماء إلا يسير ، فدعا بماء ، فأقبل الناس فتوضئوا وشربوا . قال الأعمش : فحدثت به سالم بن أبي الجعد فقال : حدثنيه جابر ، فقلت لجابر : كم كنتم يومئذ ؟ قال : خمس عشرة مائة . أخرجه البخاري .

                                                                                      وقال عمرو بن مرة ، وحصين بن عبد الرحمن ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأصابنا عطش ، فجهشنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع يده في تور من ماء ، فجعل الماء [ ص: 303 ] ينبع من بين أصابعه كأنه العيون ، فقال : خذوا باسم الله ، فشربنا فوسعنا وكفانا ، ولو كنا مائة ألف لكفانا . قلت : كم كنتم ؟ قال : ألفا وخمس مائة . صحيح .

                                                                                      وقال حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أبي رافع ، عن عمر بن الخطاب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الحجون لما آذاه المشركون ، فقال : " اللهم أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها " . قال : فأمر فنادى شجرة فأقبلت تخد الأرض ، حتى انتهت إليه ، ثم أمرها فرجعت .

                                                                                      وروى الأعمش نحوه ، عن أبي سفيان ، عن أنس .

                                                                                      وروى المبارك بن فضالة نحوا منه ، عن الحسن مرسلا .

                                                                                      وقال عبد الله بن عمر بن أبان : حدثنا محمد بن فضيل ، عن أبي حيان ، عن عطاء ، عن ابن عمر قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأقبل أعرابي ، فلما دنا منه قال : أين تريد ؟ قال الأعرابي : إلى أهلي . قال : هل لك إلى خير ؟ قال : ما هو ؟ قال تسلم . قال : هل من شاهد ؟ قال : هذه الشجرة ، فدعاها فأقبلت تخد الأرض خدا ، فقامت بين يديه ، فاستشهد ثلاثا ، فشهدت له كما قال ، ثم رجعت إلى منبتها ، ورجع الأعرابي إلى قومه ، فقال : إن يتبعوني آتك بهم ، وإلا رجعت إليك فكنت معك . غريب جدا ، وإسناده جيد . أخرجه الدارمي في " مسنده " عن محمد بن طريف ، عن ابن فضيل .

                                                                                      وقال شريك ، عن سماك ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : بم أعرف أنك رسول الله ؟ قال : " أرأيت لو دعوت هذا العذق من هذه النخلة ، أتشهد أني رسول الله ؟ قال : نعم . [ ص: 304 ] فدعاه ، فجعل ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض ، فجعل ينقز ، حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال له : " ارجع " . فرجع حتى عاد إلى مكانه . فقال : أشهد أنك رسول الله ، وآمن . رواه البخاري في " تاريخه " عن محمد بن سعيد بن الأصبهاني عنه .

                                                                                      وقال يونس بن بكير ، عن إسماعيل بن عبد الملك ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته ، وتبعته بالإداوة ، فإذا شجرتان بينهما أذرع فقال : " انطلق فقل لهذه الشجرة الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفهما " . ففعلت ، فرجعت حتى لحقت بصاحبتها ، فجلس خلفهما حتى قضى حاجته ، ثم رجعتا .

                                                                                      وقال أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من بني عامر ، فقال : إني أطب الناس ، فإن كان بك جنون داويتك . فقال : " أتحب أن أريك آية " ؟ قال : نعم . قال : " فادع ذاك العذق " . فدعاه ، فجاءه ينقز على ذنبه ، حتى قام بين يديه ، ثم قال : " ارجع " فرجع ، فقال : يا لعامر ، ما رأيت رجلا أسحر من هذا .

                                                                                      أخبرنا عمر بن محمد وغيره ، قالوا : أخبرنا عبد الله بن عمر قال : أخبرنا عبد الأول بن عيسى قال : أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الداودي قال : أخبرنا عبد الله بن حمويه قال : أخبرنا عيسى بن عمر قال : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بسمرقند ، قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، عن إسماعيل بن عبد الملك ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، وكان لا يأتي البراز حتى يتغيب فلا يرى ، فنزلنا بفلاة من الأرض ليس فيها شجر ولا علم ، فقال : " يا جابر اجعل في إداوتك ماء ثم انطلق بنا " . قال : فانطلقنا حتى لا نرى ، فإذا [ ص: 305 ] هو بشجرتين بينهما أربعة أذرع ، فقال : " انطلق إلى هذه الشجرة فقل : يقول لك : الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما " . فرجعت إليها ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفهما ، ثم رجعتا إلى مكانهما .

                                                                                      فركبنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بيننا كأنما علينا الطير تظلنا ، فعرض له امرأة معها صبي ، فقالت : يا رسول الله ، إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات . فتناوله فجعله بينه وبين مقدم الرحل ثم قال : " اخس عدو الله ، أنا رسول الله ، اخس عدو الله ، أنا رسول الله " ثلاثا ، ثم دفعه إليها . فلما قضينا سفرنا مررنا بذلك المكان ، فعرضت لنا المرأة معها صبيها ومعها كبشان تسوقهما ، فقالت يا رسول الله اقبل مني هديتي ، فوالذي بعثك بالحق ما عاد إليه بعد ، فقال : خذوا منها واحدا وردوا عليها الآخر " . قال : ثم سرنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا كأنما علينا الطير تظلنا ، فإذا جمل ناد حتى إذا كان بين السماطين خر ساجدا ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال على الناس : من صاحب الجمل ؟ فإذا فتية من الأنصار قالوا : هو لنا يا رسول الله . قال : " فما شأنه " ؟ قالوا : استنينا عليه منذ عشرين سنة ، وكانت له شحيمة ، فأردنا أن ننحره فنقسمه بين غلماننا فانفلت منا . قال : " بيعونيه " . قال : هو لك يا رسول الله . قال : " أما لي فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله " . فقال المسلمون عند ذلك : يا رسول الله نحن أحق بالسجود لك من البهائم ، قال : " لا ينبغي لشيء أن يسجد لشيء ، ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن
                                                                                      " .

                                                                                      رواه يونس بن بكير ، عن إسماعيل ، وعنده : " لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر " وهو أصح .

                                                                                      وقد رواه بمعناه يونس بن بكير ، ووكيع ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن يعلى بن مرة ، عن أبيه ، قال : سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت منه أشياء : نزلنا منزلا فقال : " انطلق إلى هاتين [ ص: 306 ] الأشاءتين فقل : إن رسول الله يقول لكما أن تجتمعا " . وذكر الحديث .

                                                                                      مرة : هو ابن أبي مرة الثقفي . وقد رواه وكيع مرة ، فقال فيه : عن يعلى بن مرة قال : رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم عجبا . . الحديث . قال البخاري : إنما هو عن يعلى نفسه .

                                                                                      قلت : ورواه البيهقي من وجهين من حديث عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن حفص ، ومن حديث عمر بن عبد الله بن يعلى ، عن أبيه ، كلاهما عن يعلى نفسه .

                                                                                      وقال مهدي بن ميمون : أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب ، عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي ، عن عبد الله بن جعفر قال : أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه ، فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا ، وكان أحب ما استتر به لحاجته هدف أو حائش نخل ، فدخل حائطا لرجل من الأنصار ، فإذا فيه جمل ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن إليه وذرفت عيناه ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفريه فسكن ، فقال : " من رب هذا الجمل " ؟ فجاء فتى من الأنصار فقال : هو لي . فقال : " ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ، فإنه شكا لي أنك تجيعه وتدئبه " . أخرج مسلم منه إلى قوله " حائش نخل " ، وباقيه على شرط مسلم .

                                                                                      [ ص: 307 ] وقال إسماعيل بن جعفر : حدثنا عمرو بن أبي عمرو ، عن رجل من بني سلمة - ثقة - عن جابر بن عبد الله أن ناضحا لبعض بني سلمة اغتلم ، فصال عليهم وامتنع حتى عطشت نخله ، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكى ذلك إليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : انطلق ، وذهب النبي صلى الله عليه وسلم معه ، فلما بلغ باب النخل قال : يا رسول الله لا تدخل . قال : " ادخلوا لا بأس عليكم " . فلما رآه الجمل أقبل يمشي واضعا رأسه حتى قام بين يديه ، فسجد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ائتوا جملكم فاخطموه وارتحلوه . ففعلوا ، وقالوا : سجد لك يا رسول الله حين رآك ، قال : " لا تقولوا ذلك لي ، لا تقولوا ما لم أبلغ ، فلعمري ما سجد لي ، ولكن الله سخره لي " .

                                                                                      وقال عفان : حدثنا حماد بن سلمة قال : سمعت شيخا من قيس يحدث عن أبيه قال : جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم وعندنا بكرة صعبة لا نقدر عليها ، فدنا منها رسول الله فمسح ضرعها ، فحفل فاحتلب وشرب .

                                                                                      وفي الباب حديث عبد الله بن أبي أوفى ، تفرد به قائد أبو الورقاء ، وهو ضعيف . وحديث لجابر آخر تفرد به الأجلح ، عن الذيال بن حرملة عنه . أخرجه الدارمي وغيره .

                                                                                      وقال يونس بن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، عن عائشة ، قالت : كان لأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب وذهب وجاء . فإذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ربض فلم يترمرم ، ما دام رسول الله في البيت . صحيح .

                                                                                      وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا المسعودي ، عن الحسن بن سعد ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه قال : كنا مع النبي [ ص: 308 ] في سفر فدخل رجل غيضة فأخرج بيضة حمرة ، فجاءت الحمرة ترفرف على رأس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال : " أيكم فجع هذه " . فقال رجل : أنا أخذت بيضتها . فقال : " رده رده رحمة لها " .

                                                                                      عبد الرحمن لم يسمع من أبيه .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية