الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري : حدثنا علي بن قادم قال : حدثنا أبو العلاء خالد بن طهمان ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بظبية مربوطة إلى خباء ، فقالت : يا رسول الله حلني حتى أذهب فأرضع خشفي ، ثم أرجع ، فتربطني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صيد قوم وربيطة قوم " . قال : فأخذ عليها فحلفت له ، فحلها ، فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها ، فربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم استوهبها منهم ، فوهبوها له ، فحلها ، ثم قال : " لو تعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا أبدا " .

                                                                                      علي وأبو العلاء صدوقان ، وعطية فيه ضعف . وقد روي نحوه عن زيد بن أرقم .

                                                                                      وقال القاسم بن الفضل الحداني ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : بينما راع يرعى بالحرة ، إذ عرض ذئب لشاة ، فحال الراعي بين الذئب والشاة ، فأقعى الذئب على ذنبه ، ثم قال للراعي : ألا تتقي الله ! تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي ؟ فقال الراعي : العجب من ذئب مقع على ذنبه يتكلم بكلام الإنس ! فقال الذئب : ألا أحدثك بأعجب مني : رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق . فساق الراعي شاءه حتى أتى المدينة فزواها زاوية ، ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فحدثه بحديث الذئب ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فقال [ ص: 309 ] للراعي : قم فأخبرهم . قال : فأخبر الناس بما قال الذئب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق الراعي ، ألا إنه من أشراط الساعة كلام السباع للإنس ، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس ، ويكلم الرجل شراك نعله وعذبة سوطه ، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده . أخرجه الترمذي ، وقال : صحيح غريب .

                                                                                      وقال عبد الحميد بن بهرام ، ومعقل بن عبيد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، أو عن أبي سعيد الخدري نحوه . وهو حديث حسن صحيح الإسناد .

                                                                                      وقال سفيان بن حمزة : حدثنا عبد الله بن عامر الأسلمي ، عن ربيعة بن أوس ، عن أنس بن عمرو ، عن أهبان بن أوس ، أنه كان في غنم له ، فكلمه الذئب ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم . قال البخاري : ليس إسناده بالقوي .

                                                                                      وقال يوسف بن عدي : حدثنا جعفر بن جسر قال : أخبرني أبي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب قال : قال ابن عمر : كان راع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غنم له ، إذ جاء الذئب فأخذ شاة ، ووثب الراعي حتى انتزعها من فيه ، فقال له الذئب : أما تتقي الله أن تمنعني طعمة أطعمنيها الله تنزعها مني ! وذكر الحديث .

                                                                                      وقال منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل . البخاري .

                                                                                      وقال قريش بن أنس : حدثنا صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، [ ص: 310 ] عن رجل ، قال : سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقول : لا أذكر عثمان إلا بخير بعد شيء رأيته : كنت رجلا أتتبع خلوات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيته وحده ، فجلست ، فجاء أبو بكر فسلم وجلس ، ثم جاء عمر ، ثم عثمان ، وبين يدي النبي صلى الله عليه وسلم سبع حصيات ، فأخذهن فوضعهن في كفه ، فسبحن ، حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ، ثم وضعهن فخرسن ، ثم أخذهن فوضعهن في يد أبي بكر فسبحن ، ثم وضعهن فخرسن ، ثم وضعهن في يد عمر فسبحن ، ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن ، ثم وضعهن فخرسن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذه خلافة النبوة " .

                                                                                      صالح لم يكن حافظا ، والمحفوظ رواية شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري قال : ذكر الوليد بن سويد أن رجلا من بني سليم كبير السن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر له ، فذكر هذا الحديث عن أبي ذر .

                                                                                      ويروى مثله عن جبير بن نفير ، وعن عاصم بن حميد ، عن أبي ذر . وجاء مثله عن أنس من وجهين منكرين .

                                                                                      وقال عبد الواحد بن أيمن : حدثني أبي ، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو إلى نخلة ، فقيل : ألا نجعل لك منبرا ؟ قال : " إن شئتم " . فجعلوا له منبرا ، فلما كان يوم الجمعة ذهب إلى المنبر ، فصاحت النخلة صياح الصبي ، فنزل فضمها إليه . كانت تئن أنين الصبي الذي يسكت قال : " كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها " . البخاري . ورواه جماعة عن جابر .

                                                                                      وقال أبو حفص بن العلاء المازني واسمه عمر عن نافع ، عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع ، فلما وضع له المنبر حن إليه حتى أتاه فمسحه ، فسكن . أخرجه البخاري عن ابن مثنى ، عن [ ص: 311 ] يحيى بن كثير عنه ، وهو من غرائب الصحيح .

                                                                                      وقال عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع ويخطب إليه ، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر ، فلما جاوز النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الجذع خار حتى تصدع وانشق ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع ، فمسحه بيده ، ثم رجع إلى المنبر ، فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي فكان عنده في بيته حتى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتا . روي من وجهين عن ابن عقيل .

                                                                                      مالك عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " هل ترون قبلتي ههنا ، فوالله ما يخفى علي ركوعكم ولا سجودكم ، إني لأراكم وراء ظهري " . متفق عليه .

                                                                                      قال الشافعي : هذه كرامة من الله أبانه بها من خلفه .

                                                                                      وقال المختار بن فلفل ، عن أنس نحوه ، وفيه : " فإني أراكم من أمامي ومن خلفي ، وايم الذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا . قالوا يا رسول الله : وما رأيت ؟ " قال : رأيت الجنة والنار " . أخرجه مسلم .

                                                                                      وقال بشر بن بكر : حدثنا الأوزاعي ، عن ابن شهاب قال : أخبرني القاسم بن محمد ، عن عائشة ، قالت : دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صورة ، فهتكه ، ثم قال : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة [ ص: 312 ] الذين يشبهون بخلق الله .

                                                                                      قال الأوزاعي : قالت عائشة : أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرنس فيه تمثال عقاب ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه فأذهبه الله عز وجل . وهذه الزيادة منقطعة .

                                                                                      وقال عاصم ، عن زر ، عن عبد الله قال : كنت غلاما يافعا في غنم لعقبة بن أبي معيط أرعاها ، فأتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر ، فقال : يا غلام هل عندك لبن ؟ قلت : نعم ولكن مؤتمن . قال : فائتني بشاة لم ينز عليها الفحل . فأتيته بعناق جذعة ، فاعتقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم دعا ومسح ضرعها حتى أنزلت ، فاحتلب في صحفة ، وسقى أبا بكر ، وشرب بعده ، ثم قال للضرع : اقلص ، فقلص فعاد كما كان ، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : علمني من هذا القول ، فمسح رأسي ، وقال : إنك غلام معلم ، فأخذت عنه سبعين سورة ما نازعنيها بشر . إسناده حسن قوي .

                                                                                      مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس قال : قال أبو طلحة لأم سليم : لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا ، أعرف فيه الجوع ، فهل عندك من شيء ؟ قالت : نعم . فأخرجت أقراصا من شعير ، ثم أخذت خمارا لها فلفته فيه ، ودسته تحت ثوبي ، وأرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجدته جالسا في المسجد ومعه الناس ، فقمت عليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسلك أبو طلحة ؟ قلت : نعم . فقال لمن معه . قوموا . قال : فانطلق وانطلقت بين أيديهم ، حتى جئت أبا طلحة فأخبرته ، فقال : يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عندنا ما نطعمهم . فقالت : الله ورسوله أعلم . قال : فانطلق أبو طلحة حتى لقي [ ص: 313 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل معه حتى دخل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هلمي ما عندك يا أم سليم " . فأتت بذلك الخبز ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت ، وعصرت عليه أم سليم عكة لها فأدمته ، ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول ، ثم قال : " ائذن لعشرة " ، فأذن لهم ، فأكلوا حتى شبعوا ، ثم خرجوا ، ثم قال : " ائذن لعشرة " ، فأذن لهم ، فأكلوا حتى شبعوا ، فأكل القوم وشبعوا ، وهم سبعون أو ثمانون رجلا . متفق عليه . وقد مر مثل هذا في غزوة الخندق من حديث جابر .

                                                                                      وقال سليمان التيمي ، عن أبي العلاء ، عن سمرة بن جندب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بقصعة ، فيها طعام ، فتعاقبوها إلى الظهر منذ غدوه ، يقوم قوم ويقعد آخرون ، فقال رجل لسمرة : هل كانت تمد ؟ قال : فمن أيش تعجب ؟ ما كانت تمد إلا من ههنا ، وأشار إلى السماء ، وأشار يزيد بن هارون إلى السماء . هذا حديث صحيح .

                                                                                      وقال زيد بن الحباب ، عن الحسين بن واقد : حدثني عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، أن سلمان أتى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية ، فقال : " لمن أنت " ؟ قال لقوم . قال : " فاطلب إليهم أن يكاتبوك " . قال : فكاتبوني على كذا وكذا نخلة أغرسها لهم ، ويقوم عليها سلمان حتى تطعم ، قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فغرس النخل كله ، إلا نخلة واحدة غرسها عمر ، فأطعم نخله من سنته إلا تلك النخلة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من غرسها " ؟ قالوا : عمر ، فغرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، فحملت من عامها . رواته ثقات .

                                                                                      أخبرنا ابن أبي عمر ، وابن أبي الخير كتابة ، عن محمد بن أحمد وجماعة ، أن فاطمة بنت عبد الله أخبرتهم ، قالت : أخبرنا ابن ريذة ، [ ص: 314 ] قال : أخبرنا الطبراني قال : حدثنا الوليد بن حماد الرملي قال : حدثنا عبد الله بن الفضل قال : حدثني أبي ، عن أبيه عاصم بن عمر ، عن أبيه ، عن جده قتادة بن النعمان قال : أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس ، فدفعها إلي يوم أحد ، فرميت بها بين يديه حتى اندقت عن سيتها ، ولم أزل عن مقامي نصب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقى السهام بوجهي ، كلما مال سهم منها إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ميلت رأسي لأقي وجهه ، فكان آخر سهم ندرت منه حدقتي على خدي ، وافترق الجمع ، فأخذت حدقتي بكفي ، فسعيت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآها في كفي دمعت عيناه ، فقال : " اللهم إن قتادة فدى وجه نبيك بوجهه ، فاجعلها أحسن عينيه وأحدهما نظرا " ، فكانت أحد عينيه نظرا . غريب ، وروي من وجه آخر ذكرناه .

                                                                                      وقال حماد بن زيد : حدثنا المهاجر مولى آل أبي بكرة ، عن أبي العالية ، عن أبي هريرة قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرات ، فقلت : ادع لي فيهن بالبركة . قال : فقبضهن ثم دعا فيهن بالبركة ، ثم قال : " خذهن فاجعلهن في مزود ، فإذا أردت أن تأخذ منهن ، فأدخل يدك ، فخذ ولا تنثرهن نثرا " . قال : فحملت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا في سبيل الله ، وكنا نأكل ونطعم ، وكان المزود معلقا بحقوي لا يفارق حقوي فلما قتل عثمان انقطع . أخرجه الترمذي ، وقال : حسن غريب .

                                                                                      وروي في " جزء الحفار " من حديث أبي هريرة ، وفيه : فأخذت منه خمسين وسقا في سبيل الله ، وكان معلقا خلف رحلي ، فوقع في زمان عثمان فذهب . وله طريق أخرى غريبة .

                                                                                      [ ص: 315 ] وقال معقل بن عبيد الله ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه ، فأطعمه شطر وسق شعير ، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته ومن ضيفاه حتى كاله ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : " لو لم تكله لأكلتم منه وأقام لكم " .

                                                                                      وكانت أم مالك تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا ، فيأتيها بنوها فيسألون الأدم ، وليس عندهم شيء ، فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فتجد فيه سمنا ، فما زال يقيم لها أدم بنيها حتى عصرته ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أعصرتيها " ؟ قالت : نعم ، قال : لو تركتيها ما زال قائما . أخرجه مسلم .

                                                                                      وقال طلحة بن مصرف ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير . فنفدت أزواد القوم ، حتى هم أحدهم بنحر بعض حمائلهم ، فقال عمر : يا رسول الله لو جمعت ما بقي من الأزواد فدعوت الله عليها . ففعل ، فجاء ذو البر ببره ، وذو التمر بتمره ، فدعا حتى إنهم ملئوا أزوادهم ، فقال عند ذلك : " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة " . أخرجه مسلم .

                                                                                      وروى نحوه وأطول منه المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ، عن أبيه رضي الله عنه ، وزاد : فما بقي في الجيش وعاء إلا ملئوه وبقي مثله ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، لا يلقى الله [ ص: 316 ] عبد مؤمن بها إلا حجب عن النار . رواه الأوزاعي عنه .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية