الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 477 ] باب غسله ، وكفنه ، ودفنه صلى الله عليه وسلم

                                                                                      قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله ، عن أبيه ، سمع عائشة تقول : لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم نغسله وعليه ثيابه ، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو : أن اغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه ، فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميص ، يصبون الماء فوق القميص ، ويدلكونه بالقميص دون أيديهم ، فكانت عائشة تقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه . صحيح أخرجه أبو داود .

                                                                                      وقال أبو معاوية : حدثنا بريد بن عبد الله أبو بردة ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، قال : لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد من الداخل " لا تخرجوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه " .

                                                                                      وقال ابن فضيل ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث قال : غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ، وعليه قميصه ، وعلى يد علي رضي الله عنه خرقة يغسله بها ، فأدخل يده تحت القميص وغسله والقميص عليه . فيه ضعف .

                                                                                      وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم غسله علي ، [ ص: 478 ] وأسامة ، والفضل بن العباس ، وأدخلوه قبره ، وكان علي يقول وهو يغسله : بأبي وأمي ، طبت حيا وميتا . مرسل جيد .

                                                                                      وقال عبد الواحد بن زياد ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب قال : قال علي : غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا ، وكان طيبا حيا وميتا .

                                                                                      وولي دفنه وإجنانه دون الناس أربعة : علي ، والعباس ، والفضل ، وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحدا ، ونصب عليه اللبن نصبا .

                                                                                      وقال عبد الصمد بن النعمان : حدثنا أبو عمر كيسان ، عن مولاه يزيد بن بلال قال : سمعت عليا رضي الله عنه يقول : أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري ، فإنه " لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه " قال علي : فكان العباس ، وأسامة ، يناولاني الماء ، وراء الستر ، وما تناولت عضوا إلا كأنما يقلبه معي ثلاثون رجلا ، حتى فرغت من غسله .

                                                                                      كيسان القصار يروي عنه أيضا القاسم بن مالك ، وأسباط ، ومولاه كأنه مجهول ، وهو ضعيف .

                                                                                      وقال أبو معشر ، عن محمد بن قيس قال : كان الذي غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ، والفضل بن عباس يصب عليه ، قال : فما كنا نريد أن نرفع منه عضوا لنغسله إلا رفع لنا ، حتى انتهينا إلى عورته فسمعنا من جانب البيت صوتا : " لا تكشفوا عن عورة نبيكم " . مرسل ضعيف .

                                                                                      وقال ابن جريج : سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول : غسل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا بالسدر ، وغسل من بئر بقباء كان يشرب منها .

                                                                                      وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في [ ص: 479 ] ثلاثة أثواب بيض سحولية ، ليس فيها قميص ولا عمامة . متفق عليه .

                                                                                      ولمسلم فيه زيادة وهي : سحولية من كرسف .

                                                                                      فأما الحلة فإنما شبه على الناس فيها أنها اشتريت له حلة ليكفن فيها ، فتركت الحلة ، فأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال : لأحبسنها لنفسي حتى أكفن فيها ، ثم قال : لو رضيها الله لنبيه لكفنه فيها ، فباعها وتصدق بثمنها . رواه مسلم .

                                                                                      وروى علي بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : أدرج النبي صلى الله عليه وسلم في حلة يمانية ، ثم نزعت عنه ، وكفن في ثلاثة أثواب .

                                                                                      وروى نحوه القاسم عن عائشة .

                                                                                      وأما ما روى شعيب ، عن الزهري ، عن علي بن الحسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب أحدها برد حبرة ، وروي نحو ذا عن مقسم ، عن ابن عباس ، فلعله قد اشتبه على من قال ذلك ، بكونه صلى الله عليه وسلم أدرج في حلة يمانية ، ثم نزعت عنه .

                                                                                      وقال زكريا : عن الشعبي قال : كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية برود يمنية غلاظ : إزار ورداء ولفافة .

                                                                                      وقال الحسن بن صالح بن حي ، عن هارون بن سعد ، عن أبي وائل قال : كان عند علي رضي الله عنه مسك فأوصى أن يحنط به . وقال علي : هو فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : حدثني الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، [ ص: 480 ] عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالا حتى فرغوا ، ثم أدخل النساء فصلين عليه ، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه ، ثم أدخل العبيد ، لم يؤمهم أحد .

                                                                                      وقال الواقدي : حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي قال : وجدت بخط أبي ، قال : لما كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع على سريره ، دخل أبو بكر ، وعمر ، ونفر من المهاجرين والأنصار فقالا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، وسلم المهاجرون والأنصار كذلك ، ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد ، فقال أبو بكر وعمر وهما في الصف الأول : اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه ، ونصح لأمته ، وجاهد في سبيل الله ، حتى أعز الله دينه ، وتمت كلمته ، وأومن به وحده لا شريك له ، فاجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه ، واجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به ، فإنه كان بالمؤمنين رءوفا رحيما ، لا نبغي بالإيمان بدلا ، ولا نشتري به ثمنا أبدا ، فيقول الناس : آمين آمين ، فيخرجون ويدخل آخرون ، حتى صلى عليه الرجال ، ثم النساء ، ثم الصبيان . مرسل ضعيف لكنه حسن المتن .

                                                                                      وقال سلمة بن نبيط بن شريط ، عن أبيه ، عن سالم بن عبيد - وكان من أصحاب الصفة - قال : قالوا : هل ندفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأين يدفن ؟ فقال أبو بكر : حيث قبضه الله ، فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب ، فعلموا أنه كما قال .

                                                                                      زاد بعضهم بعد سلمة " نعيم بن أبي هند " .

                                                                                      وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدثني حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما أرادوا أن يحفروا لرسول [ ص: 481 ] الله صلى الله عليه وسلم كان أبو عبيدة بن الجراح يضرح . لأهل مكة ، وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة ، فأرسل العباس خلفهما رجلين وقال : اللهم خر لرسولك ، أيهما جاء حفر له ، فجاء أبو طلحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      وقال الواقدي : حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن عثمان بن محمد الأخنسي ، عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع قال : لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا في موضع قبره ، فقال قائل : في البقيع ، فقد كان يكثر الاستغفار لهم . وقال قائل : عند منبره ، وقال قائل : في مصلاه ، فجاء أبو بكر فقال : إن عندي من هذا خبرا وعلما ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ما قبض نبي إلا دفن حيث توفي " .

                                                                                      وقال ابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : عرضت عائشة على أبيها رؤيا - وكان من أعبر الناس - قالت : رأيت ثلاثة أقمار وقعن في حجرتي ، فقال : إن صدقت رؤياك دفن في بيتك من خير أهل الأرض ثلاثة ، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا عائشة هذا خير أقمارك .

                                                                                      وقال الواقدي : حدثني ابن أبي سبرة ، عن عباس بن عبد الله بن معبد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعا على سريره من حين زاغت الشمس يوم الثلاثاء يصلون الناس عليه ، وسريره على شفير قبره ، فلما أرادوا أن يقبروه ، نحوا السرير قبل رجليه ، فأدخل من هناك ، ونزل في حفرته العباس وعلي ، وقثم بن العباس ، والفضل بن العباس ، وشقران .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : حدثني الحسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن [ ص: 482 ] ابن عباس قال : كان الذين نزلوا القبر ، فذكرهم سوى العباس ، وقد كان شقران حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته أخذ قطيفة حمراء قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفترشها ، فدفنها معه في القبر ، وقال : والله لا يلبسها أحد بعدك ، فدفنت معه .

                                                                                      وقال أبو جمرة ، عن ابن عباس : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي ألقي في قبره قطيفة حمراء . أخرجه مسلم .

                                                                                      وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي : حدثني أبو مرحب قال : كأني أنظر إليهم في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أحدهم عبد الرحمن بن عوف .

                                                                                      وقال سليمان التيمي : لما فرغوا من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكفينه ، صلى الناس عليه يوم الاثنين والثلاثاء ، ودفن يوم الأربعاء .

                                                                                      وقال أبو جعفر محمد بن علي : لبث يوم الاثنين ويوم الثلاثاء إلى آخر النهار .

                                                                                      وقال ابن جريج : مات في الضحى يوم الاثنين . ودفن من الغد في الضحى . هذا قول شاذ ، وإسناده صحيح .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : حدثتني فاطمة بنت محمد ، عن عمرة ، عن عائشة أنها قالت : ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي في جوف ليلة الأربعاء .

                                                                                      قال ابن إسحاق : وكان المغيرة بن شعبة يدعي قال : أخذت خاتمي فألقيته في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقلت حين خرج القوم : إن خاتمي قد سقط في القبر ، وإنما طرحته عمدا لأمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأكون آخر الناس عهدا به . هذا حديث منقطع .

                                                                                      [ ص: 483 ] وقال الشافعي في " مسنده " : أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت التعزية ، وسمعوا قائلا يقول : " إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ، ودركا من كل فائت ، فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب " .

                                                                                      وأخرج الحاكم في " مستدركه " لأبي ضمرة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عزتهم الملائكة يسمعون الحس ، ولا يرون الشخص ، فذكر نحوه .

                                                                                      وقد تقدم صلاتهم عليه من غير أن يؤمهم أحد ، فالله أعلم .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية