الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال سفيان الثوري ، عن الأسود بن قيس ، عن سعيد بن عمرو قال : خطبنا علي ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في الإمارة شيئا ، ولكن رأي رأيناه ، فاستخلف أبو بكر ، فقام واستقام ، ثم استخلف عمر ، فقام واستقام ، ثم ضرب الدين بجرانه ، وإن أقواما طلبوا الدنيا ، فمن شاء الله أن يعذب منهم عذب ، ومن شاء أن يرحم رحم .

                                                                                      وقال علي بن زيد بن جدعان ، عن الحسن ، عن قيس بن عباد ، قال : سمعت عليا يقول : والله ما عهد إلي رسول الله عهدا إلا شيئا عهده إلى الناس ، ولكن الناس وقعوا في عثمان فقتلوه ، فكان غيري فيه أسوأ حالا وفعلا مني ، ثم إني رأيت أني أحقهم بهذا الأمر ، فوثبت عليه ، فالله أعلم أصبنا أم أخطأنا .

                                                                                      قرأت على أبي الفهم بن أحمد السلمي : أخبركم أبو محمد عبد الله بن أحمد الفقيه سنة سبع عشرة وست مائة ، قال : أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي ، قال : أخبرنا مالك بن أحمد سنة أربع وثمانين وأربع مائة ، قال : حدثنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل إملاء سنة ست وأربع مائة ، قال : حدثنا أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة ، قال : حدثنا [ ص: 241 ] عبد الله بن روح ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن الحسن ، قال : لما قدم علي رضي الله عنه البصرة قام إليه ابن الكواء ، وقيس بن عباد ، فقالا له : ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه ، تتولى على الأمة ، تضرب بعضهم ببعض ، أعهد من رسول الله عهده إليك ، فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت ، فقال : أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا ، والله إن كنت أول من صدق به ، فلا أكون أول من كذب عليه ، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك ، ما تركت أخا بني تيم بن مرة ، وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ، ولقاتلتهما بيدي ، ولو لم أجد إلا بردي هذا ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلا ، ولم يمت فجأة ، مكث في مرضه أياما وليالي ، يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة ، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس ، وهو يرى مكاني ، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة ، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس ، وهو يرى مكاني ، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب ، وقال : " أنتن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر يصلى بالناس " .

                                                                                      فلما قبض الله نبيه ، نظرنا في أمورنا ، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله لديننا ، وكانت الصلاة أصل الإسلام ، وهي عظم الأمر ، وقوام الدين . فبايعنا أبا بكر ، وكان لذلك أهلا ، لم يختلف عليه منا اثنان ، ولم يشهد بعضنا على بعض ، ولم نقطع منه البراءة ، فأديت إلى أبي بكر حقه ، وعرفت له طاعته ، وغزوت معه في جنوده ، وكنت آخذ إذا أعطاني ، وأغزو إذا أغزاني ، وأضرب بين يديه بسوطي ، فلما قبض ولاها عمر ، فأخذ بسنة صاحبه ، وما يعرف من أمره ، فبايعنا عمر ، ولم [ ص: 242 ] يختلف عليه منا اثنان ، ولم يشهد بعضنا على بعض ، ولم نقطع منه البراءة . فأديت إلى عمر حقه ، وعرفت طاعته ، وغزوت معه في جيوشه ، وكنت آخذ إذا أعطاني ، وأغزو إذا أغزاني ، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي .

                                                                                      فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي ، وأنا أظن أن لا يعدل بي ، ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنبا إلا لحقه في قبره ، فأخرج منها نفسه وولده ، ولو كان محاباة منه لآثر بها ولده ، فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة ، أنا أحدهم .

                                                                                      فلما اجتمع الرهط تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي ، وأنا أظن أن لا يعدلوا بي ، فأخذ عبد الرحمن مواثيقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا ، ثم أخذ بيد ابن عفان فضرب بيده على يده ، فنظرت في أمري ، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي ، وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري ، فبايعنا عثمان ، فأديت له حقه ، وعرفت له طاعته ، وغزوت معه في جيوشه ، وكنت آخذ إذا أعطاني ، وأغزو إذا أغزاني ، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي .

                                                                                      فلما أصيب نظرت في أمري ، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما بالصلاة قد مضيا ، وهذا الذي قد أخذ له الميثاق قد أصيب ، فبايعني أهل الحرمين ، وأهل هذين المصرين .

                                                                                      روى إسحاق بن راهويه نحوه ، عن عبدة بن سليمان ، قال : حدثنا أبو العلاء سالم المرادي ، سمعت الحسن ، روى نحوه وزاد في [ ص: 243 ] آخره : فوثب فيها من ليس مثلي ، ولا قرابته كقرابتي ، ولا علمه كعلمي ، ولا سابقته كسابقتي ، وكنت أحق بها منه .

                                                                                      قالا : فأخبرنا عن قتالك هذين الرجلين - يعنيان : طلحة والزبير - قال : بايعاني بالمدينة ، وخلعاني بالبصرة ، ولو أن رجلا ممن بايع أبا بكر وعمر خلعه لقاتلناه .

                                                                                      وروى نحوه الجريري ، عن أبي نضرة .

                                                                                      وقال أبو عتاب الدلال : حدثنا مختار بن نافع التيمي ، قال : حدثنا أبو حيان التيمي ، عن أبيه ، عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله أبا بكر ، زوجني ابنته ، وحملني إلى دار الهجرة ، وأعتق بلالا . رحم الله عمر ، يقول الحق وإن كان مرا ، تركه الحق وما له من صديق . رحم الله عثمان تستحييه الملائكة . رحم الله عليا ، اللهم أدر الحق معه حيث دار " .

                                                                                      وقال إسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، عن أبي سعيد ، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله " فقال أبو بكر : أنا هو ؟ قال : " لا " قال عمر : أنا هو ؟ قال : " لا ، ولكنه خاصف النعل " وكان أعطى عليا نعله يخصفها .

                                                                                      قلت : فقاتل الخوارج الذين أولوا القرآن برأيهم وجهلهم .

                                                                                      وقال خارجة بن مصعب ، عن سلام بن أبي القاسم ، عن عثمان بن [ ص: 244 ] أبي عثمان ، قال : جاء أناس إلى علي ، فقالوا : أنت هو ، قال : من أنا ؟ قالوا : أنت هو ، قال : ويلكم من أنا ؟ قالوا : أنت ربنا ، قال : ارجعوا فأبوا ، فضرب أعناقهم ، ثم خد لهم في الأرض ، ثم قال : يا قنبر ائتني بحزم الحطب ، فحرقهم بالنار ، وقال :

                                                                                      لما رأيت الأمر أمرا منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا

                                                                                      وقال أبو حيان التيمي : حدثني مجمع ، أن عليا رضي الله عنه كان يكنس بيت المال ثم يصلي فيه ، رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين .

                                                                                      وقال أبو عمرو بن العلاء ، عن أبيه ، قال : خطب علي رضي الله عنه فقال : أيها الناس ، والله الذي لا إله إلا هو ، ما رزأت من مالكم قليلا ولا كثيرا ، إلا هذه القارورة ، وأخرج قارورة فيها طيب ، ثم قال : أهداها إلي دهقان .

                                                                                      وقال ابن لهيعة : حدثنا عبد الله بن هبيرة ، عن عبد الله بن زرير الغافقي ، قال : دخلت على علي يوم الأضحى فقرب إلينا خزيرة ، فقلت : لو قربت إلينا من هذا الوز ، فإن الله قد أكثر الخير . قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان ، قصعة يأكلها هو وأهله ، وقصعة يضعها بين يدي الناس .

                                                                                      وقال سفيان الثوري : إذا جاءك عن علي شيء فخذ به ، ما بنى لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة ، ولقد كان يجاء بجيوبه في جراب .

                                                                                      [ ص: 245 ] وقال عباد بن العوام ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، قال : دخلت على علي بالخورنق ، وعليه سمل قطيفة ، فقلت : يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيبا ، وأنت تفعل هذا بنفسك ، فقال : إني والله ما أرزؤكم شيئا ، وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من بيتي .

                                                                                      وعن علي أنه اشترى قميصا بأربعة دراهم فلبسه ، وقطع ما فضل عن أصابعه من الكم .

                                                                                      وعن جرموز ، قال : رأيت عليا وهو يخرج من القصر ، وعليه إزار إلى نصف الساق ، ورداء مشمر ، ومعه درة له يمشي بها في الأسواق ، ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع ، ويقول : أوفوا الكيل والميزان ، ولا تنفخوا اللحم .

                                                                                      وقال الحسن بن صالح بن حي : تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، فقال : أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب .

                                                                                      وعن رجل أنه رأى عليا قد ركب حمارا ودلى رجليه إلى موضع واحد ، ثم قال : أنا الذي أهنت الدنيا .

                                                                                      وقال هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن عمار الحضرمي ، عن أبي عمر زاذان ، أن رجلا حدث عليا بحديث ، فقال : ما أراك إلا قد كذبتني . قال : لم أفعل . قال : إن كنت كذبت أدعو عليك . قال : ادع . فدعا ، فما برح حتى عمي .

                                                                                      وقال عطاء بن السائب ، عن أبي البختري ، عن علي ، قال : وأبردها [ ص: 246 ] على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول : الله أعلم .

                                                                                      وقال خيثمة بن عبد الرحمن : قال علي : من أراد أن ينصف الناس من نفسه فليحب لهم ما يحب لنفسه .

                                                                                      وقال عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، قال : جاء رجل إلى علي فأثنى عليه ، وكان قد بلغه عنه أمر ، فقال : إني لست كما تقول ، وأنا فوق ما في نفسك .

                                                                                      وقال محمد بن بشر الأسدي ؛ وهو صدوق : حدثنا موسى بن مطير - وهو واه - عن أبيه ، عن صعصعة بن صوحان ، قال : لما ضرب علي أتيناه ، فقلنا : استخلف ، قال : إن يرد الله بكم خيرا استعمل عليكم خيركم ، كما أراد بنا خيرا واستعمل علينا أبا بكر .

                                                                                      وروى الحسن بن عمارة ، عن الحكم ، عن أبي وائل ، قال : قيل لعلي : ألا توصي ؟ قال : ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوصي ، ولكن إن يرد الله بالناس خيرا سيجمعهم على خيرهم ، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم .

                                                                                      وروي بإسناد آخر ، عن الشعبي ، عن أبي وائل .

                                                                                      وروى عبد الملك بن سلع الهمداني ، عن عبد خير ، عن علي ، قال : استخلف أبو بكر ، فعمل بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته . . . الحديث .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية