الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم

عطف على " أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين " فالضمير المنصوب في قوله " جعله " عائد إلى القول الذي تضمنه " فاستجاب لكم أني ممدكم " أي ما جعل جوابكم بهذا الكلام إلا ليبشركم ، وإلا فقد كان يكفيكم أن يضمن لكم النصر دون أن يبين أنه بإمداد من الملائكة .

وفائدة التبشير بإمداد الملائكة أن يوم بدر كان في أول يوم لقي فيه المسلمون عدوا قويا وجيشا عديدا ، فبشرهم الله بكيفية النصر الذي ضمنه لهم بأنه بجيش من الملائكة ، لأن النفوس أميل إلى المحسوسات ، فالنصر معنى من المعاني يدق إدراكه وسكون النفس لتصوره بخلاف الصور المحسوسة من تصوير مدد الملائكة ورؤية أشكال بعضهم .

وتقدم القول في نظير هذه الآية في سورة آل عمران إلا لتعرض لما بين الآيتين من اختلاف في ترتيب النظم وذلك في ثلاثة أمور .

أحدها أنه قال في آل عمران " إلا بشرى لكم " وحذف " لكم " هنا دفعا لتكرير لفظه لسبق كلمة " لكم " قريبا في قوله " فاستجاب لكم " فعلم السامع أن البشرى لهم ، فأغنت " لكم " الأولى ، بلفظها ومعناها ، عن ذكر " لكم " مرة ثانية ، ولأن آية آل عمران سيقت مساق الامتنان والتذكير بنعمة النصر في حين القلة والضعف ، فكان تقييد " بشرى " بأنها لأجلهم زيادة في المنة أي : جعل الله ذلك بشرى لأجلكم كقوله - تعالى - ألم نشرح لك صدرك وأما آية الأنفال فهي مسوقة مساق العتاب على كراهية الخروج إلى بدر في أول الأمر ، وعلى اختيار أن تكون الطائفة التي تلاقيهم غير ذات الشوكة ، فجرد [ ص: 277 ] بشرى عن أن يعلق به " لكم " إذ كانت البشرى للنبيء - صلى الله عليه وسلم - ومن لم يترددوا من المسلمين ، وقد تقدم ذلك في آل عمران .

ثانيها تقديم المجرور هنا في قوله " به قلوبكم " وهو يفيد الاختصاص ، فيكون المعنى : ولتطمئن به قلوبكم لا بغيره ، وفي هذا الاختصاص تعريض بما اعتراهم من الوجل من الطائفة ذات الشوكة وقناعتهم بغنم العروض التي كانت مع العير ، فعرض لهم بأنهم لم يتفهموا مراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، حين استشارهم ، وأخبرهم بأن العير سلكت طريق الساحل فكان ذلك كافيا في أن يعلموا أن الطائفة الموعود بها تمحضت أنها طائفة النفير . وكان الشأن أن يظنوا بوعد الله أكمل الأحوال ، فلما أراد الله تسكين روعهم ، وعدهم بنصرة الملائكة علما بأنه لا يطمئن قلوبهم إلا ذلك . وجعل الفخر التقديم هنا لمجرد الاهتمام بذلك الوعد ، وذلك من وجوه التقديم لكنه وجه تأخيره في آل عمران بما هو غير مقبول .

ثالثها أنه قال في سورة آل عمران العزيز الحكيم فصاغ الصفتين العليتين في صيغة النعت ، وجعلهما في هذه الآية في صيغة الخبر المؤكد ، إذ قال " إن الله عزيز حكيم " فنزل المخاطبين منزلة من يتردد في أنه - تعالى - موصوف بهاتين الصفتين : وهما العزة ، المقتضية أنه إذا وعد بالنصر لم يعجزه شيء ، والحكمة ، فما يصدر من جانبه يجب غوص الأفهام في تبين مقتضاءه ، فكيف لا يهتدون إلى أن الله لما وعدهم الظفر بإحدى الطائفتين وقد فاتتهم العير أن ذلك آيل إلى الوعد بالظفر بالنفير .

وجملة " إن الله عزيز حكيم " مستأنفة استئنافا ابتدائيا جعلت كالإخبار بما ليس بمعلوم لهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية