الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 224 ] قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون

تتنزل هذه الجملة منزلة البيان لما تضمنته جملة قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا الآية ، ولذلك لم تعطف عليها ، والمبين هو إجمال ما كتب الله لنا هو مولانا كما تقدم .

والمعنى لا تنتظرون من حالنا إلا حسنة عاجلة أو حسنة آجلة فأما نحن فننتظر من حالكم أن يعذبكم الله في الآخرة بعذاب النار ، أو في الدنيا بعذاب على غير أيدينا من عذاب الله في الدنيا : كالجوع والخوف ، أو بعذاب بأيدينا وهو عذاب القتل ، إذا أذن الله بحربكم ، كما في قوله : لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم الآية .

والاستفهام مستعمل في النفي بقرينة الاستثناء . ومعنى الكلام توبيخ لهم وتخطئة لتربصهم لأنهم يتربصون بالمسلمين أن يقتلوا ، ويغفلون عن احتمال أن ينصروا فكان المعنى : لا تتربصون بنا إلا أن نقتل أو نغلب وذلك إحدى الحسنيين .

والتربص انتظار حصول شيء مرغوب حصوله ، وأكثر استعماله . أن يكون انتظار حصول شيء لغير المنتظر بكسر الظاء ولذلك كثرت تعدية فعل التربص بالباء لأن المتربص ينتظر شيئا مصاحبا لآخر هو الذي لأجله الانتظار . وأما قوله : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فقد نزلت " أنفسهن " منزلة المغاير للمبالغة في وجوب التربص ، ولذلك قال في الكشاف " في ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص وزيادة بعث . وقد تقدم ذلك هنالك ، وأما قوله : للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فهو على أصل الاستعمال لأنه تربص بأزواجهم .

وجملة ونحن نتربص بكم معطوفة على جملة الاستفهام عطف الخبر على الإنشاء : بل على خبر في صورة الإنشاء ، فهي من مقول القول وليس فيها معنى [ ص: 225 ] الاستفهام . والمعنى : وجود البون بين الفريقين في عاقبة الحرب في حالي الغلبة والهزيمة .

وجعلت جملة ونحن نتربص اسمية فلم يقل ونتربص بكم بخلاف الجملة المعطوف عليها : لإفادة تقوية التربص ، وكناية عن تقوية حصول المتربص لأن تقوية التربص تفيد قوة الرجاء في حصول المتربص فتفيد قوة حصوله وهو المكنى عنه .

وتفرع على جملة هل تربصون بنا جملة فتربصوا إنا معكم متربصون لأنه إذا كان تربص كل من الفريقين مسفرا عن إحدى الحالتين المذكورتين كان فريق المؤمنين أرضى الفريقين بالمتربصين لأن فيهما نفعه وضر عدوه .

والأمر في قوله : تربصوا للتحضيض المجازي المفيد قلة الاكتراث بتربصهم كقول طريف بن تميم العنبري :

فتوسموني إنني أنا ذالكم شاكي سلاحي في الحوادث معلم

وجملة إنا معكم متربصون تهديد للمخاطبين والمعية هنا : معية في التربص ، أو في زمانه ، وفصلت هذه الجملة عن التي قبلها لأنها كالعلة للحض .

التالي السابق


الخدمات العلمية