الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأزواجه أمهاتهم

عطف على حقوق النبيء - صلى الله عليه وسلم - حقوق أزواجه على المسلمين لمناسبة جريان ذكر حق النبيء عليه الصلاة والسلام فجعل الله لهن ما للأمهات من تحريم التزوج بهن بقرينة ما تقدم من قوله : ( وما جعل أزواجكم اللاء تظهرون منهن أمهاتكم ) .

وأما ما عدا حكم التزوج من وجوه البر بهن ومواساتهن فذلك راجع إلى تعظيم أسباب النبيء - صلى الله عليه وسلم - وحرماته ولم يزل أصحاب النبيء والخلفاء الراشدون يتوخون حسن معاملة أزواج النبيء - صلى الله عليه وسلم - ويؤثرونهن بالخير والكرامة والتعظيم . وقال ابن عباس عند حمل جنازة ميمونة : هذه زوج نبيكم فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوا ولا تزلزلوا وارفقوا رواه مسلم .

وكذلك ما عدا حكم الزواج من وجوه المعاملة غير ما يرجع إلى التعظيم ولهذه النكتة جيء بالتشبيه البليغ للمبالغة في شبههن بالأمهات للمؤمنين مثل الإرث وتزوج بناتهن ، فلا يحسب أن تركاتهن يرثها جميع المسلمين ، ولا أن بناتهن أخوات للمسلمين في حرمة التزوج بهن .

وأما إطلاق وصف خال المؤمنين على الخليفة معاوية لأنه أخو أم حبيبة أم المؤمنين فذلك من قبيل التعظيم كما يقال : بنو فلان أخوال فلان ، إذا كانوا قبيلة أمه .

والمراد بأزواجه اللائي تزوجهن بنكاح فلا يدخل في ذلك ملك اليمين ، وقد قال الصحابة يوم قريظة حين تزوج النبيء - صلى الله عليه وسلم - صفية بنت حيي : أهي إحدى ما ملكت يمينه أم هي إحدى أمهات المؤمنين ؟ فقالوا : ننظر ، فإذا حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين وإذا لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه ، فلما بنى بها ضرب عليها [ ص: 269 ] الحجاب ، فعلموا أنها إحدى أمهات المؤمنين ، ولذلك لم تكن مارية القبطية إحدى أمهات المؤمنين .

ويشترط في اعتبار هذه الأمومة أن يكون النبيء - صلى الله عليه وسلم - بنى بالمرأة ، فأما التي طلقها قبل البناء مثل الجونية وهي أسماء بنت النعمان الكندية ، وذكر ابن العربي أن امرأة كان عقد عليها النبيء - صلى الله عليه وسلم - تزوجت في خلافة عمر ، فهم عمر برجمها . فقالت : لم وما ضرب علي النبيء حجابا ولا دعيت أم المؤمنين ؟ ! . فكف عنها . وهذه المرأة هي ابنة الجون الكندية تزوجها الأشعث بن قيس . وهذا هو الأصح وهو مقتضى مذهب مالك وصححه إمام الحرمين والرافعي من الشافعية . وعن مقاتل : يحرم تزوج كل امرأة عقد عليها النبيء - صلى الله عليه وسلم - ولو لم يبن بها . وهو قول الشافعي وصححه في الروضة ، واللاء طلقهن الرسول عليه الصلاة والسلام بعد البناء بهن فاختلف فيهن على قولين ، قيل : تثبت حرمة التزوج بهن حفظا لحرمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيل : لا يثبت لهن ذلك ، والأول أرجح .

وقد أكد حكم أمومة أزواج النبيء - صلى الله عليه وسلم - للمؤمنين بقوله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ، وبتحريم تزوج إحداهن على المؤمنين بقوله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما . وسيجيء بيان ذلك عند ذكر هاتين الآيتين في أواخر هذه السورة .

وروي أن ابن مسعود قرأ بعدها : وهو أب لهم . وروي مثله عن أبي بن كعب وعن ابن عباس . وروي عن عكرمة : كان في الحرف الأول : وهو أب لهم .

ومحملها أنها تفسير وإيضاح وإلا فقد أفاد قوله تعالى : ( النبيء أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) أكثر من مفاد هذه القراءة .

التالي السابق


الخدمات العلمية