الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل .

الجملة تعليل للأمر بأن يقول لهم اعملوا على مكانتكم المفيد موادعتهم وتهوين تصميم كفرهم عليه ، وتثبيته على دعوته . والمعنى : لأنا نزلنا عليك الكتاب بالحق لفائدة الناس وكفاك ذلك شرفا وهداية وكفاك تبليغه إليهم فمن اهتدى من الناس فهدايته لنفسه بواسطتك ومن ضل فلم يهتد به فضلاله على نفسه وما عليك من ضلالهم تبعة لأنك بلغت ما أمرت به . ولذلك خولف بين ما هنا وبين قوله في صدر السورة إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ، لأن تلك في غرض التنويه بشأن النبيء صلى الله عليه وسلم فناسب أن يكون إنزال الكتاب إليه ، و ( للناس ) متعلق بأنزلنا ، و ( بالحق ) حال من الكتاب ، والباء للملابسة ، واللام في للناس للعلة ، أي لأجل الناس . وفي الكلام مضاف مفهوم مما تؤذن به اللام من معنى الفائدة والنفع أي لنفع الناس ، أو مما يؤذن به التفريع في قوله فمن اهتدى إلخ .

وفاء فمن اهتدى فلنفسه للتفريع وهو تفريع ناشئ من معنى اللام . و ( من ) شرطية ، أي من حصل منه الاهتداء في المستقبل فإن اهتداءه لفائدة [ ص: 22 ] نفسه لا غير ، أي ليست لك من اهتدائه فائدة لذاتك لأن فائدة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي شرفه وأجره ثابتة على التبليغ سواء اهتدى من اهتدى وضل من ضل .

وتقدم نظير هذه الآية في قوله قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه آخر سورة يونس ، وفي قوله وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه في آخر سورة النمل ، ولكن جيء في تينك الآيتين بصيغة قصر الاهتداء على نفس المهتدي وترك ذلك في هذه السورة ، ووجه ذلك أن تينك الآيتين واردتان بالأمر بمخاطبة المشركين فكان المقام فيهما مناسبا لإفادة أن فائدة اهتدائهم لا تعود إلا لأنفسهم ، أي ليست لي منفعة من اهتدائهم ، خلافا لهذه الآية فإنها خطاب موجه من الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ليس فيها حال من ينزل منزلة المدل باهتدائه .

أما قوله ومن ضل فإنما يضل عليها فصيغة القصر فيه لتنزيل الرسول صلى الله عليه وسلم في أسفه على ضلالهم المفضي بهم إلى العذاب منزلة من يعود عليه من ضلالهم ضر فخوطب بصيغة القصر ، وهو قصر قلب على خلاف مقتضى الظاهر . ولذلك اتحدت الآيات الثلاث في الاشتمال على القصر بالنسبة لجانب ضلالهم فإن قوله في سورة النمل ( فقل إنما أنا من المنذرين ) . وهذه نكت من دقائق إعجاز القرآن .

وقوله وما أنت عليهم بوكيل كالقول في وما أنا عليكم بوكيل في سورة يونس .

وجملة وما أنت عليهم بوكيل عطف على جملة فمن اهتدى فلنفسه أي لست مأمورا بإرغامهم على الاهتداء ، فصيغ هذا الخبر في جملة اسمية للدلالة على ثبات حكم هذا النفي .

التالي السابق


الخدمات العلمية