الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 283 ] رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين

هذا عود إلى مواجهة المشركين بالتذكير على نحو ما ابتدئت به السورة .

وهو تخلص للاستدلال على تفرد الله بالإلهية إلزاما لهم بما يقرون به من أنه رب السماوات والأرض وما بينهما ، ويقرون بأن الأصنام لا تخلق شيئا ، غير أنهم معرضون عن نتيجة الدليل ببطلان إلهية الأصنام ؛ ألا ترى القرآن يكرر تذكيرهم بأمثال هذا مثل قوله تعالى أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون وقوله والذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء ، ولأجل ذلك ذكر الربوبية إجمالا في قوله رحمة من ربك ثم تفصيلا بذكر صفة عموم العلم التي هي صفة المعبود بحق بصيغة قصر القلب المشير إلى أن الأصنام لا تسمع ولا تعلم . وبذكر صفة التكوين المختصة به تعالى بإقرارهم ارتقاء في الاستدلال . فلما لم يكن مجال للريب في أنه تعالى هو الإله الحق أعقب هذا الاستدلال بجملة إن كنتم موقنين بطريقة إثارة التيقظ لعقولهم إذ نزلهم منزلة المشكوك إيقانهم لعدم جريهم على موجب الإيقان لله بالخالقية حين عبدوا غيره بأن أتي في جانب فرض إيقانهم بطريقة الشرط ، وأتي بحرف الشرط الذي أصله عدم الجزم بوقوع الشرط على نحو قوله تعالى أفنضرب عنكم الذكر صفحا إن كنتم قوما مسرفين .

وقرأ الجمهور ( رب السماوات ) برفع رب على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وهو من حذف المسند إليه لمتابعة الاستعمال في مثله بعد إجراء أخبار أو صفات عن ذات ثم يردف بخبر آخر ، ومن ذلك قولهم بعد ذكر شخص : فتى يفعل ويفعل . وهو من الاستئناف البياني إذ التقدير : إن أردت أن تعرفه فهو كذا . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف بجر ( رب ) على أنه بدل من قوله ربك .

وحذف متعلق موقنين للعلم به من قوله رب السماوات والأرض وما بينهما . وجواب الشرط محذوف دل عليه المقام . والتقدير : إن كنتم موقنين فلا تعبدوا غيره ، ولذلك أعقبه بجملة لا إله إلا هو .

التالي السابق


الخدمات العلمية