الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن عطف النهي عن العضل على النهي عن إرث النساء كرها لمناسبة التماثل في الإكراه وفي أن متعلقه سوء معاملة المرأة ، وفي أن العضل لأجل أخذ مال منهن .

والعضل : منع ولي المرأة إياها أن تتزوج ، وقد تقدم الكلام عليه عند قوله تعالى : فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن . في سورة البقرة .

وإن كان النهي عنه في قوله : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها . هو المعنى المتبادر من فعل " ترثوا " ، وهو أخذ مال المرأة كرها عليها ، فعطف ( ولا تعضلوهن ) إما خاص على عام ، إن أريد خصوص منع الأزواج نساءهم من الطلاق مع الكراهية ، رغبة في بقاء المرأة عنده حتى تموت فيرث منها مالها ، أو عطف مباين إن أريد النهي عن منعها من الطلاق حتى يلجئها إلى الافتداء منه ببعض ما آتاها ، وأيا ما كان فإطلاق العضل على هذا الإمساك مجاز باعتبار المشابهة لأنها كالتي لا زوج لها ولم تتمكن من التزوج .

وإن كان المنهي عنه في قوله : لا يحل لكم أن ترثوا النساء . المعنى المجازي لـ ( ترثوا ) وهو كون المرأة ميراثا ، وهو ما كان يفعله أهل الجاهلية في معاملة أزواج أقاربهم وهو الأظهر - فعطف ( ولا تعضلوهن ) عطف حكم آخر من أحوال المعاملة ، وهو النهي عن أن يعضل الولي المرأة من أن تتزوج لتبقى عنده فإذا ماتت ورثها ، [ ص: 285 ] ويتعين على هذا الاحتمال أن يكون ضمير الجمع في قوله : لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن . راجعا إلى من يتوقع منه ذلك من المؤمنين وهم الأزواج خاصة ، وهذا ليس بعزيز أن يطلق ضمير صالح للجمع ويراد منه بعض ذلك الجمع بالقرينة . كقوله : ولا تقتلوا أنفسكم أي لا يقتل بعضكم أخاه ، إذ قد يعرف أن أحدا لا يقتل نفسه ، وكذلك : فسلموا على أنفسكم . أي يسلم الداخل على الجالس . فالمعنى : ليذهب بعضكم ببعض ما آتاهن بعضكم ، كأن يريد الولي أن يذهب في ميراثه ببعض مال مولاته الذي ورثته من أمها أو قريبها أو من زوجها ، فيكون في الضمير توزيع . وإطلاق العضل على هذا المعنى حقيقة . والذهاب في قوله : لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن . مجاز في الأخذ ، كقوله : ذهب الله بنورهم ، أي أزاله .

التالي السابق


الخدمات العلمية