الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا .

الأظهر أن ضمير " ودوا " عائد إلى المنافقين في قوله فما لكم في المنافقين فئتين . فضح الله هذا الفريق فأعلم المسلمين بأنهم مضمرون الكفر ، وأنهم يحاولون رد من يستطيعون رده من المسلمين إلى الكفر .

وعليه فقوله فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله إن حمل على ظاهر المهاجرة لا يناسب إلا ما تقدم في سبب النزول عن مجاهد وابن عباس ، ولا يناسب ما في الصحيح عن زيد بن ثابت ، فتعين تأويل المهاجرة بالجهاد في سبيل الله ، فالله نهى المسلمين عن ولايتهم إلى أن يخرجوا في سبيل الله في غزوة تقع بعد نزول الآية لأن غزوة أحد ، التي انخزل عنها عبد الله بن أبي وأصحابه ، قد مضت قبل نزول هذه السورة .

وما أبلغ التعبير في جانب محاولة المؤمنين بالإرادة في قوله أتريدون أن تهدوا من أضل الله ، وفي جانب محاولة المنافقين بالود ، لأن الإرادة ينشأ عنها الفعل ، فالمؤمنون يستقربون حصول الإيمان من المنافقين ، لأن الإيمان قريب من فطرة الناس ، والمنافقون يعلمون أن المؤمنين لا يرتدون عن دينهم ، ويرون منهم محبتهم إياه ، فلم يكن طلبهم تكفير المؤمنين إلا تمنيا ، فعبر عنه بالود المجرد .

[ ص: 152 ] وجملة فتكونون سواء تفيد تأكيد مضمون قوله بما كفروا قصد منها تحذير المسلمين من الوقوع في حبالة المنافقين .

وقوله فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله أقام الله للمسلمين به علامة على كفر المتظاهرين بالإسلام ، حتى لا يعود بينهم الاختلاف في شأنهم ، وهي علامة بينة ، فلم يبق من النفاق شيء مستور إلا نفاق منافقي المدينة .

والمهاجرة في سبيل الله هي الخروج من مكة إلى المدينة بقصد مفارقة أهل مكة ، ولذلك قال في سبيل الله أي لأجل الوصول إلى الله ، أي إلى دينه الذي أراده .

وقوله فإن تولوا أي أعرضوا عن المهاجرة . وهذا إنذار لهم قبل مؤاخذتهم ، إذ المعنى : فأبلغوهم هذا الحكم فإن أعرضوا عنه ولم يتقبلوه فخذوهم واقتلوهم ، وهذا يدل على أن من صدر منه شيء يحتمل الكفر لا يؤاخذ به حتى يتقدم له ، ويعرف بما صدر منه ، ويعذر إليه ، فإن التزمه يؤاخذ به ، ثم يستتاب . وهو الذي أفتى به سحنون .

والولي : الموالي الذي يضع عنده مولاه سره ومشورته . والنصير الذي يدافع عن وليه ويعينه .

التالي السابق


الخدمات العلمية