الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون .

يجوز أن يكون عطفا على جملة إذ أيدتك بروح القدس ، فيكون من جملة ما يقوله الله لعيسى يوم يجمع الرسل . فإن إيمان الحواريين نعمة على عيسى إذ لو لم يؤمنوا به لما وجد من يتبع دينه فلا يحصل له الثواب المتجدد بتجدد اهتداء الأجيال بدينه إلى أن جاء نسخه بالإسلام .

والمراد بالوحي إلى الحواريين إلهامهم عند سماع دعوة عيسى للمبادرة بتصديقه ، فليس المراد بالوحي الذي به دعاهم عيسى . ويجوز أن يكون الوحي الذي أوحي به إلى عيسى ليدعو بني إسرائيل إلى دينه . وخص الحواريون به هنا تنويها بهم حتى كأن الوحي بالدعوة لم يكن إلا لأجلهم ، لأن ذلك حصل لجميع بني إسرائيل فكفر أكثرهم على نحو قوله تعالى : كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ; [ ص: 104 ] فكان الحواريون سابقين إلى الإيمان لم يترددوا في صدق عيسى .

و ( أن ) تفسيرية للوحي الذي ألقاه الله في قلوب الحواريين .

وفصل جملة ( قالوا آمنا ) لأنها جواب ما فيه معنى القول ، وهو ( أوحينا ) ، على طريقة الفصل في المحاورة كما تقدم في سورة البقرة ، وهو قول نفسي حصل حين ألقى الله في قلوبهم تصديق عيسى فكأنه خاطبهم فأجابوه . والخطاب في قولهم " واشهد " لله تعالى وإنما قالوا ذلك بكلام نفسي من لغتهم ، فحكى الله معناه بما يؤديه قوله : واشهد بأننا مسلمون . وسمى إيمانهم إسلاما لأنه كان تصديقا راسخا قد ارتفعوا به عن مرتبة إيمان عامة من آمن بالمسيح غيرهم ، فكانوا مماثلين لإيمان عيسى ، وهو إيمان الأنبياء والصديقيين ، وقد قدمت بيانه في تفسير قوله تعالى ولكن كان حنيفا مسلما في سورة آل عمران ، وفي تفسير قوله فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون في سورة البقرة فارجع إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية