الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون

استئناف ناشئ عن قوله : ليمكروا فيها وهو وعيد لهم على مكرهم وقولهم : لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله .

فالمراد بالذين أجرموا أكابر المجرمين من المشركين بمكة بقرينة قوله : بما كانوا يمكرون فإن صفة المكر أثبتت لأكابر المجرمين في الآية السابقة ، وذكرهم بـ الذين أجرموا إظهار في مقام الإضمار ؛ لأن مقتضى الظاهر أن يقال : سيصيبهم صغار ، وإنما خولف مقتضى الظاهر [ ص: 56 ] للإتيان بالموصول حتى يومئ إلى علة بناء الخبر على الصلة ؛ أي : إنما أصابهم صغار وعذاب لإجرامهم .

والصغار - بفتح الصاد - الذل ، وهو مشتق من الصغر ، وهو القماءة ونقصان الشيء عن مقدار أمثاله .

وقد جعل الله عقابهم ذلا وعذابا ؛ ليناسب كبرهم وعتوهم وعصيانهم الله تعالى . والصغار والعذاب يحصلان لهم في الدنيا بالهزيمة وزوال السيادة وعذاب القتل والأسر والخوف ، قال تعالى : قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا وقد حصل الأمران يوم بدر ويوم أحد ، فهلكت سادة المشركين ؛ وفي الآخرة بإهانتهم بين أهل المحشر ، وعذابهم في جهنم .

ومعنى " عند الله " أنه صغار مقدر عند الله ، فهو صغار ثابت محقق ؛ لأن الشيء الذي يجعله الله تعالى يحصل أثره عند الناس كلهم ؛ لأنه تكوين لا يفارق صاحبه ، كما ورد في الحديث : إن الله إذا أحب عبدا أمر جبريل فأحبه ثم أمر الملائكة فأحبوه ثم يوضع له القبول عند أهل الأرض ، فلا حاجة إلى تقدير " من " في قوله : عند الله ، ولا إلى جعل العندية بمعنى الحصول في الآخرة كما درج عليه كثير من المفسرين .

والباء في : بما كانوا يمكرون سببية ، و ( ما ) مصدرية ؛ أي : بسبب مكرهم ؛ أي : فعلهم المكر ، أو موصولة ؛ أي : بسبب الذي كانوا يمكرونه ، على أن المراد بالمكر الاسم ، فيقدر عائد منصوب هو مفعول به محذوف .

التالي السابق


الخدمات العلمية