الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ) وسمى المرضعات أمهات لأجل الحرمة ، كما سمى أزواج رسول الله أمهات المؤمنين . ولما سمى المرضعة أما ، والمرضعة مع الراضع أختا ، نبه بذلك على إجراء الرضاع مجرى النسب . وذلك لأنه حرم بسبب النسب سبع : اثنتان هما المنتسبتان بطريق الولادة وهما : الأم والبنت . وخمس بطريق الأخوة ، وهن : الأخت ، والعمة ، والخالة ، وبنت الأخ ، وبنت الأخت . ولما ذكر [ ص: 211 ] الرضاع ذكر من كل قسم من هذين القسمين صورة تنبيها على الباقي ، فذكر من قسم قرابة الأولاد الأمهات ، ومن قسم قرابة الأخوة الأخوات ، ونبه بهذين المثالين على أن الحال في باب الرضاع كالحال في باب النسب . ثم إنه أكد هذا بصريح قوله صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) فصار صريح الحديث مطابقا لما أشارت إليه الآية . فزوج المرضعة أبوه ، وأبواه جداه ، وأخته عمته . وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده فهم إخوته وأخواته لأبيه ، وأم المرضعة جدته ، وأختها خالته . وكل من ولد لها من هذا الزوج فهم إخوته وأخواته لأبيه وأمه . وأما ولدها من غيره فهم إخوته وأخواته لأمه .

وقالوا : تحريم الرضاع كتحريم النسب إلا في مسألتين : إحداهما أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج أخت ابنه من النسب ، ويجوز له أن يتزوج أخت ابنه من الرضاع ؛ لأن المعنى في النسب وطؤه أمها ، وهذا المعنى غير موجود في الرضاع . والثانية : لا يجوز أن يتزوج أم أخيه من النسب ، ويجوز في الرضاع . لأن المانع في النسب وطء الأب إياها ، وهذا المعنى غير موجود في الرضاع ، وظاهر الكلام إطلاق الرضاع . ولم تتعرض الآية إلى سن الراضع ، ولا عدد الرضعات . ولا للبن الفحل ، ولا لإرضاع الرجل لبن نفسه للصبي ، أو إيجاره به ، أو تسعيطه بحيث يصل إلى الجوف . وفي هذا كله خلاف مذكور في كتب الفقه . وقرأ الجمهور : اللاتي أرضعنكم . وقرأ الأعمش : ( اللاي ) بالياء . وقرأ ابن هرمز : ( التي ) . وقرأ أبو حيوة : ( من الرضاعة ) بكسر الراء .

( وأمهات نسائكم ) الجمهور على أنها على العموم . فسواء عقد عليها ولم يدخل ، أم دخل بها . وروي عن علي ومجاهد وغيرهما : أنه إذا طلقها قبل الدخول ، فله أن يتزوج أمها . وأنها في ذلك بمنزلة الربيبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية