الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون هم الملائكة عليهم السلام ومعنى العندية الزلفى والقرب منه تعالى بالمكانة لا بالمكان ، وذلك لتوفرهم على طاعته وابتغاء مرضاته ، ولما أمر تعالى بالذكر ورغب في المواظبة عليه ذكر من شأنهم ذلك فأخبر عنهم بأخبار ثلاثة ، [ ص: 454 ] الأول : نفي الاستكبار عن عبادته ، وذلك هو إظهار العبودية ، ونفي الاستكبار هو الموجب للطاعات كما أن الاستكبار هو الموجب للعصيان ؛ لأن المستكبر يرى لنفسه شفوفا ومزية فيمنعه ذلك من الطاعة ، الثاني : إثبات التسبيح منهم له تعالى وهو التنزيه والتطهير عن جميع ما لا يليق بذاته المقدسة ، والثالث : السجود له ، قيل : وتقديم المجرور يؤذن بالاختصاص ، أي لا يسجدون إلا له ، والذي يظهر أنه إنما قدم المجرور ليقع الفعل فاصلة ، فأخره لذلك ليناسب ما قبله من رءوس الآي ، ولما كانت العبادة ناشئة عن انتفاء الاستكبار ، وكانت على قسمين : عبادة قلبية وعبادة جسمانية ذكرهما ، فالقلبية : تنزيه الله تعالى عن كل سوء ، والجسمانية : السجود وهو الحال التي يكون العبد فيها أقرب إلى الله تعالى ، وفي الحديث : أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد ، وله يسجدون هو مكان سجدة ، وقيل : سجود التلاوة أربع سجدات : ألم تنزيل : وحم تنزيل والنجم والعلق ، وذكر عن ابن عباس أنها عشر أسقط آخر الحج وص وثلاثا في المفصل ، وروي عن مالك إحدى عشرة ، أسقط آخرة الحج وثلاث المفصل ، وعن ابن وهب أربع عشرة أسقط ثانية الحج ، وهو قول أبي حنيفة والشافعي ، لكن أبو حنيفة أسقط ثانية الحج وأثبت ص ، وعكس الشافعي ، وعن ابن وهب أيضا وابن حبيب خمس عشرة آخرها خاتمة العلق ، وعن بعض العلماء ست عشرة ، وزاد سجدة الحجر ، والجمهور على أنه ليس بواجب ، وقال أبو حنيفة هو واجب ولا خلاف في أن شرطه شرط الصلاة من طهارة خبث وحدث ونية واستقبال ووقت ، إلا ما روى البخاري عن ابن عمرو وابن المنكدر عن الشعبي أنه يسجد على غير طهارة ، وذهب الشافعي وأحمد وإسحاق إلى أنه يكبر ويرفع اليدين ، وقال مالك : يكبر لها في الخفض والرفع في الصلاة ، وأما في غير الصلاة فاختلف عنه ويسلم عند الجمهور ، وقال جماعة من السلف وإسحاق : لا يسلم ووقتها سائر الأوقات مطلقا لأنها صلاة بسبب ، وهو قول الشافعي وجماعة ، وقيل : ما لم يسفر ولم تصفر الشمس ، وقيل : لا يسجد بعد الصبح ولا بعد العصر ، وقيل : بعد الصبح لا بعد العصر ، وثلاثة الأقوال هذه في مذهب مالك ، وفي سنن ابن ماجه عن ابن عباس أنه عليه السلام : كان يقول في سجود التلاوة اللهم احطط عني بها وزرا واكتب لي بها أجرا واجعلها لي عندك ذخرا ، ومشهور مذهب مالك أنه لا يسجد في الفريضة سرا كانت أو جهرا ، ومذهب أبي حنيفة أنه واجب على السامع قصد الاستماع أو لا . والحمد لله أولا وآخرا ، وظاهرا وباطنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية