الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                  قوله تعالى : ( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا ) .

                                                                                                                                                                  527 - قال المفسرون : إن بني عمرو بن عوف ، اتخذوا مسجد قباء ، وبعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم ، فأتاهم فصلى فيه ، فحسدهم إخوتهم بنو غنم بن عوف ، وقالوا : نبني مسجدا ونرسل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي فيه كما صلى في مسجد إخواننا ، وليصل فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام . وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية وتنصر ، ولبس المسوح ، وأنكر دين الحنيفية لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وعاداه ، وسماه النبي - عليه [ ص: 136 ] الصلاة والسلام - : أبا عامر الفاسق ، وخرج إلى الشام وأرسل إلى المنافقين : أن [ أعدوا و ] استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح ، وابنوا لي مسجدا فإني ذاهب إلى قيصر ، فآتي بجند الروم ، فأخرج محمدا وأصحابه ، فبنوا [ له ] مسجدا إلى جنب مسجد قباء ، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا خذام بن خالد ، ومن داره أخرج مسجد الشقاق وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير ، وأبو حبيبة بن الأزعر ، وعباد بن حنيف ، وجارية بن عمرو وابناه مجمع وزيد ، ونبتل بن حارث ، [ وبحزج ] وبجاد بن عثمان ، ووديعة بن ثابت ، فلما فرغوا منه أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إنا [ قد ] بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية ، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه . فدعا بقميصه ليلبسه فيأتيهم ، فنزل عليه القرآن ، وأخبره الله عز وجل خبر مسجد الضرار وما هموا به . فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك بن الدخشم ، ومعن بن عدي ، وعامر بن السكن ، ووحشيا قاتل حمزة ، وقال لهم : انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فاهدموه وأحرقوه . فخرجوا ، وانطلق مالك وأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ، ثم دخلوا المسجد وفيه أهله ، فحرقوه وهدموه ، وتفرق عنه أهله . وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيها الجيف والنتن والقمامة . ومات أبو عامر بالشام وحيدا غريبا .

                                                                                                                                                                  528 - أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، حدثنا [ أبو ] العباس بن إسماعيل بن عبد الله بن ميكال ، أخبرنا عبد الله بن موسى الأهوازي ، أخبرنا إسماعيل بن زكريا ، حدثنا داود بن الزبرقان ، عن صخر بن جويرية ، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص ، عن أبيها قال : إن المنافقين عرضوا المسجد يبنونه ليضاهئوا به مسجد قباء - وهو قريب منه - لأبي عامر الراهب ، يرصدونه إذا قدم ليكون إمامهم فيه . فلما فرغوا من بنائه أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إنا [ قد ] بنينا مسجدا فصل فيه حتى نتخذه مصلى ، فأخذ ثوبه ليقوم معهم ، فنزلت هذه الآية : ( لا تقم فيه أبدا ) .

                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية