الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الفرع الثاني : إذا لم يكن مع المحصر هدي ، فهل عليه أن يشتري الهدي ولا يحل حتى يهدي ، أو له أن يحل بدون هدي ؟ ذهب جمهور العلماء إلى أن الهدي واجب عليه لقوله تعالى : ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) فلا يجوز له التحلل بدونه إن قدر عليه ، ووافق الجمهور أشهب من أصحاب مالك ، وخالف مالك ، وابن القاسم الجمهور في هذه المسألة ، فقالا : لا هدي على المحصر إن لم يكن ساقه معه قبل الإحصار .

                                                                                                                                                                                                                                      وحجة الجمهور واضحة وهي قوله تعالى : ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) فتعليقه ما استيسر من الهدي على الإحصار تعليق الجزاء على شرطه ، يدل على لزوم الهدي بالإحصار لمن أراد التحلل به ، دلالة واضحة كما ترى ، فإن عجز المحصر عن الهدي فهل يلزمه بدل عنه أو لا ؟

                                                                                                                                                                                                                                      قال بعض العلماء : لا بدل إن عجز عنه ، وممن قال لا بدل لهدي المحصر أبو حنيفة رحمه الله ; فإن المحصر عنده إذا لم يجد هديا يبقى محرما حتى يجد هديا ، أو يطوف بالبيت .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض من قال بأنه لا بدل له : إن لم يجد هديا حل بدونه ، وإن تيسر له بعد ذلك هدي أهداه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال جماعة : إن لم يجد الهدي فله بدل ، واختلف أهل هذا القول في بدل الهدي ، فقال بعضهم : هو صوم عشرة أيام قياسا على من عجز عما استيسر من الهدي في التمتع ، وإلى هذا ذهب الإمام أحمد ، وهو إحدى الروايات عن الشافعي ، وأصح الروايات عند الشافعية في بدل هدي المحصر أنه بالإطعام ، نص عليه الشافعي في " كتاب الأوسط " فتقوم الشاة ويتصدق بقيمتها طعاما ، فإن عجز صام عن كل مد يوما ، وقيل إطعام كإطعام فدية الأذى وهو ثلاثة آصع لستة مساكين ، وقيل : بدله صوم ثلاثة أيام ، [ ص: 86 ] وقيل : بدله صوم بالتعديل ، تقوم الشاة ويعرف قدر ما تساوي قيمتها من الأمداد ، فيصوم عن كل يوم مدا ، وليس على شيء من هذه الأقوال دليل واضح ، وأقربها قياسه على التمتع ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية