الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 100 ] قوله تعالى : يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله يومئذ أي : يوم إذ نسفت الجبال يتبعون الداعي . والداعي : هو الملك الذي يدعوهم إلى الحضور للحساب . قال بعض أهل العلم : يناديهم أيتها العظام النخرة ، والأوصال المتفرقة ، واللحوم المتمزقة ، قومي إلى ربك للحساب ، والجزاء ، فيسمعون الصوت ويتبعونه . ومعنى لا عوج له : أي : لا يحيدون عنه ، ولا يميلون يمينا ، ولا شمالا . وقيل : لا عوج لدعاء الملك عن أحد ، أي : لا يعدل بدعائه عن أحد ، بل يدعوهم جميعا . وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من اتباعهم للداعي للحساب ، وعدم عدولهم عنه بينه في غير هذا الموضع ، وزاد أنهم يسرعون إليه كقوله تعالى فتول عنهم يوم يدعو الداعي إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر [ 54 \ 6 - 8 ] ، والإهطاع : الإسراع : وقوله تعالى : واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج [ 50 \ 41 - 42 ] ، وقوله تعالى : يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده الآية [ 17 \ 52 ] إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وخشعت الأصوات للرحمن أي : خفضت وخفتت ، وسكنت هيبة لله ، وإجلالا وخوفا فلا تسمع في ذلك اليوم صوتا عاليا ، بل لا تسمع إلا همسا أي : صوتا خفيا خافتا من شدة الخوف . أو إلا همسا أي : إلا صوت خفق الأقدام ونقلها إلى المحشر ، والهمس يطلق في اللغة على الخفاء ، فيشمل خفض الصوت وصوت الأقدام . كصوت أخفاف الإبل في الأرض التي فيها يابس النبات ، ومنه قول الراجز :


                                                                                                                                                                                                                                      وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا



                                                                                                                                                                                                                                      وما ذكره جل وعلا هنا أشار له في غير هذا الموضع ، كقوله : رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [ 78 \ 37 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله هنا : يومئذ لا تنفع الشفاعة الآية ، قد قدمنا الآيات الموضحة لذلك في " مريم " ، وغيرها ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية