الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه

                                                                                                                                                                                                                                      قول عائشة رضي الله عنها : سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بين الصفا والمروة ؛ أي : فرضه بالسنة ، وليس مرادها نفي فرضيته ، ويؤيده قولها : لم يتم الله حج أحدكم ، ولا عمرته ما لم يطف بينهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مسلم رحمه الله في صحيحه : حدثنا يحيى بن يحيى ، حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قال : قلت لها : إني لا أظن رجلا لو لم يطف بين الصفا والمروة ما ضره . قالت لم ؟ قلت : لأن الله تعالى يقول : إن الصفا والمروة من شعائر الله [ 2 \ 158 ] إلى آخر الآية فقالت : ما أتم الله حج امرئ ، ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة ، ولو كان كما تقول ، لكان : فلا جناح عليه ألا يطوف بهما ; الحديث ، وفي رواية في صحيح مسلم ، عن عروة قال : قلت لعائشة : " ما أرى علي جناحا أن لا أتطوف بين الصفا والمروة ، قالت لم ؟ قلت : لأن الله عز وجل يقول إن الصفا والمروة من شعائر الله فقالت : لو كان كما تقول ، لكان فلا جناح عليه ألا يطوف بهما إنما أنزل هذا في أناس من الأنصار ، كانوا إذا أهلوا لمناة في الجاهلية فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، فلما قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم للحج ذكروا ذلك له ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، " فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة " ، وفي رواية ، عن عروة أيضا في [ ص: 421 ] صحيح مسلم قال : قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : ما أرى على أحد ، لم يطف بين الصفا والمروة شيئا ، وما أبالي ، أن لا أطوف بينهما . قالت : بئس ما قلت يا ابن أختي : طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون ، فكان سنة ، وإنما كان من أهل لمناة الطاغية ، التي بالمشلل ، لا يطوفون بين الصفا والمروة ، فلما كان الإسلام سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله عز وجل : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ولو كانت كما تقول ، لكانت فلا جناح عليه ، ألا يطوف بينهما . قال الزهري : فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فأعجبه ذلك ، وقال : إن هذا العلم ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب ، يقولون : إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية ، وقال آخرون من الأنصار : إنما أمرنا بالطواف بالبيت ، ولم نؤمر به بين الصفا والمروة ، فأنزل الله عز وجل إن الصفا والمروة من شعائر الله [ 2 \ 158 ] قال أبو بكر بن عبد الرحمن : فأراها قد نزلت في هؤلاء وهؤلاء ، وفي رواية في صحيح مسلم ، عن عروة بن الزبير أيضا قال : سألت عائشة . وساق الحديث بنحوه ، وقال في الحديث : فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن ذلك فقالوا : يا رسول الله ، إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة ، فأنزل الله عز وجل إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما قالت عائشة : قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بهما .

                                                                                                                                                                                                                                      فهذه الروايات الثابتة في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها فيها الدلالة الواضحة ، على أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا بد منه ، لأنك رأيت في بعض هذه الروايات الثابتة عنها في الصحيح ، أنها قالت : ما أتم الله حج امرئ ، ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة ، وفي بعضها قالت : فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة . وفي رواية متفق عليها عنها رضي الله عنها : قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما إلى آخر ما تقدم من الروايات وفيها النص الصريح الصحيح ، على أن السعي لا بد منه وأن من لم يسع ، لم يتم له حج ولا عمرة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية