الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      المسألة السادسة عشرة : إذا ظاهر من نسائه الأربع بكلمة واحدة ، كأن يقول لهن : أنتن علي كظهر أمي ، فقال بعض أهل العلم : تكفي في ذلك كفارة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال في " المغني " : ولا خلاف في هذا في مذهب أحمد ، وهو قول علي ، وعمر ، وعروة ، وطاوس ، وعطاء ، وربيعة ، ومالك ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وأبي ثور ، والشافعي في القديم . وقال الحسن ، والنخعي ، والزهري ، ويحيى الأنصاري ، والحكم ، والثوري ، وأصحاب الرأي ، والشافعي في الجديد : عليه لكل امرأة كفارة ; لأنه وجد الظهار والعود في حق كل امرأة منهن فوجب عليه عن كل واحدة كفارة ، كما لو أفردها به ، ولنا عموم قول عمر وعلي رضي الله عنهما ، رواه عنهما الأثرم ، ولا يعرف لهما مخالف فكان إجماعا ، ولأن الظهار كلمة تجب بمخالفتها الكفارة ، فإذا وجدت في جماعة أوجبت كفارة واحدة كاليمين بالله تعالى ، وفارق ما إذا ظاهر منها بكلمات ، فإن كل كلمة تقتضي كفارة ترفعها وتكفر إثمها ، وهاهنا الكلمة واحدة ، فالكفارة واحدة ترفع حكمها ، وتمحو إثمها ، فلا يبقى لها حكم . انتهى منه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 212 ] قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : أقيس القولين الاكتفاء بكفارة واحدة ، وأحوطهما التكفير عن كل واحدة منهن . وأما إن ظاهر منهن بكلمات متعددة ، بأن قال لكل واحدة منهن بانفرادها : أنت علي كظهر أمي ، فالأظهر تعدد الكفارة ; لأن كل كلمة من تلك الكلمات منكر من القول وزور ، فكل واحدة منها تقتضي كفارة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال في " المغني " : وهذا قول عروة وعطاء . وقال أبو عبد الله بن حامد : المذهب رواية واحدة في هذا . قال القاضي : المذهب عندي ما ذكره الشيخ أبو عبد الله . قال أبو بكر : فيه رواية أخرى أنه تجزئه كفارة واحدة ، واختار ذلك ، وقال : هذا الذي قلناه اتباعا لعمر بن الخطاب ، والحسن ، وعطاء ، وإبراهيم ، وربيعة ، وقبيصة ، وإسحاق ; لأن كفارة الظهار حق لله تعالى فلم تتكرر بتكرر سببها كالحد ، وعليه يخرج الطلاق . ولنا بها أنها أيمان متكررة على أعيان متفرقة ، فكان لكل واحدة كفارة كما لو كفر ثم ظاهر ، ولأنها أيمان لا يحنث في إحداها بالحنث في الأخرى ، فلا تكفرها كفارة واحدة ، ولأن الظهار معنى يوجب الكفارة ، فتعدد الكفارة بتعدده في المحال المختلفة كالقتل ، ويفارق الحد ، فإنه عقوبة تدرأ بالشبهات ، انتهى منه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد علمت أن أظهر الأقوال عندنا تعدد الكفارة في هذه المسألة . وأما إن كرر الظهار من زوجته الواحدة ، فالظاهر الذي لا ينبغي العدول عنه : أنه إن كان كرره قبل أن يكفر عن الظهار الأول ، فكفارة واحدة تكفي ، وإن كان كفر عن ظهاره الأول ، ثم ظاهر بعد التكفير ، فعليه كفارة أخرى لظهاره الواقع بعد التكفير ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية