الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 238 ] تنبيه .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل : إن الضمير في قوله : ليذهب عنكم الرجس ، وفي قوله : ويطهركم تطهيرا ، ضمير الذكور ، فلو كان المراد نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيل : ليذهب عنكن ويطهركن .

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب من وجهين : الأول : هو ما ذكرنا من أن الآية الكريمة شاملة لهن ولعلي والحسن والحسين وفاطمة ، وقد أجمع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجموع ونحوها ، كما هو معلوم في محله .

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثاني : هو أن من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن أن زوجة الرجل يطلق عليها اسم الأهل ، وباعتبار لفظ الأهل تخاطب مخاطبة الجمع المذكر ، ومنه قوله تعالى في موسى : فقال لأهله امكثوا [ 20 \ 10 ] ، وقوله : سآتيكم [ 27 \ 7 ] ، وقوله : لعلي آتيكم [ 20 \ 10 ] ، والمخاطب امرأته ; كما قاله غير واحد ، ونظيره من كلام العرب قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      فإن شئت حرمت النساء سواكم وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا



                                                                                                                                                                                                                                      وبما ذكرنا تعلم أن قول من قال : إن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - لسن داخلات في الآية ، يرد عليه صريح سياق القرآن ، وأن من قال : إن فاطمة وعليا والحسن والحسين ليسوا داخلين فيها ، ترد عليه الأحاديث المشار إليها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض أهل العلم : إن أهل البيت في الآية هم من تحرم عليهم الصدقة ، والعلم عند الله تعالى . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت الآية ، يعني : أنه يذهب الرجس عنهم ، ويطهرهم بما يأمر به من طاعة الله ، وينهى عنه من معصيته ; لأن من أطاع الله أذهب عنه الرجس ، وطهره من الذنوب تطهيرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري في " الكشاف " : ثم بين أنه إنما نهاهن وأمرهن ووعظهن لئلا يقارف أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المآثم ، وليتصونوا عنها بالتقوى ، واستعار للذنوب الرجس وللتقوى الطهر ; لأن عرض المقترف للمقبحات يتلوث بها ويتدنس كما يتلوث بدنه بالأرجاس . وأما الحسنات فالعرض منها نقي مصون كالثوب الطاهر ، وفي هذه الاستعارة [ ص: 239 ] ما ينفر أولي الألباب عما كرهه الله لعباده ، ونهاهم عنه ، ويرغبهم فيما يرضاه لهم ، وأمرهم به . وأهل البيت نصب على النداء أو على المدح ، وفي هذا دليل بين على أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل بيته .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية