الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون .

                                                                                                                                                                                                                                      قد قدمنا قريبا كلام أهل العلم في همزة الاستفهام المتبوعة بأداة عطف ، وذكرناه قبل [ ص: 528 ] هذا مرارا ، وقوله تعالى : أفرأيتم ما تمنون يعني أفرأيتم ما تصبونه من المني في أرحام النساء ، فلفظة " ما " موصولة ، والجملة الفعلية صلة الموصول ، والعائد إلى الصفة محذوف ، لأنه منصوب بفعل ، والتقدير : أفرأيتم ما تمنونه ، والعرب تقول : أمنى النطفة بصيغة الرباعي ، يمنيها بضم حرف المضارعة ، إذا أراقها في رحم المرأة ، ومنه قوله تعالى : من نطفة إذا تمنى [ 53 \ 46 ] ، ومنى يمنى بصيغة الثلاثي لغة صحيحة ، إلا أن القراءة بها شاذة .

                                                                                                                                                                                                                                      وممن قرأ " تمنون " بفتح التاء مضارع في الثلاثي المجرد - أبو السمال وابن السميقع ، وقوله تعالى : أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون استفهام تقرير ، فإنهم لا بد أن يقولوا : أنتم الخالقون ، فيقال لهم : إذا كنا خلقنا هذا الإنسان الخصيم المبين من تلك النطفة التي تمنى في الرحم ، فكيف تكذبون بقدرتنا على خلقه مرة أخرى ، وأنتم تعلمون أن الإعادة لا يمكن أن تكون أصعب من الابتداء ، والضمير المنصوب في " تخلقونه " عائد إلى الموصول أي تخلقون ما تمنونه من النطف علقا ، ثم مضغا إلى آخر أطواره .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الذي تضمنته هذه الآية من البراهين القاطعة على كمال قدرة الله على البعث وغيره ، وعلى أنه المعبود وحده ، ببيان أطوار خلق الإنسان - جاء موضحا في آيات أخر ، وقد قدمنا الكلام على ذلك مستوفى بالآيات القرآنية ، وبينا ما يتعلق بكل طور من أطواره من الأحكام الشرعية في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب الآية [ 22 \ 5 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكرنا أطوار خلق الإنسان في سورة الرحمن أيضا في الكلام على قوله تعالى : خلق الإنسان علمه البيان [ 55 \ 3 - 4 ] ، وفي غير ذلك من المواضع .

                                                                                                                                                                                                                                      وبينا الآيات الدالة على أطوار خلقه جملة وتفصيلا في الحج .

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه :

                                                                                                                                                                                                                                      هذا البرهان الدال على البعث الذي هو خلق الإنسان من نطفة مني تمنى - يجب على كل إنسان النظر فيه ، لأن الله - جل وعلا - وجه صفة الأمر بالنظر فيه إلى مني الإنسان ، والأصل في صيغة الأمر على التحقيق الوجوب إلا لدليل صارف عنه ، وذلك في قوله تعالى : فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق الآية [ 86 \ 5 - 6 ] ، وقد قدمنا [ ص: 529 ] شرحها في أول سورة النحل ، وقرأ هذا الحرف نافع أفرأيتم بتسهيل الهمزة بعد الراء بين بين .

                                                                                                                                                                                                                                      والرواية المشهورة التي بها الأداء عن ورش عنه إبدال الهمزة ألفا وإشباعها لسكون الياء بعدها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الكسائي : " أفريتم " بحذف الهمزة ، وقرأه باقي السبعة بتحقيق الهمزة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : أأنتم قرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو وهشام عن ابن عامر في إحدى الروايتين بتسهيل الهمزة الثانية . والرواية المشهورة التي بها الأداء عن ورش عن نافع إبدال الثانية ألفا مشبعا مدها لسكون النون بعدها ، وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وهشام عن ابن عامر في الرواية الأخرى بتحقيق الهمزتين ، وقالون ، وأبو عمرو وهشام بألف الإدخال بين الهمزتين والباقون بدونها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية