الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      مسائل تتعلق بالمسح على الخفين

                                                                                                                                                                                                                                      الأولى : أجمع العلماء على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر ; وقال الشيعة والخوارج : لا يجوز ، وحكى نحوه القاضي أبو الطيب عن أبي بكر بن داود ، والتحقيق عن مالك ، وجل أصحابه ، القول بجواز المسح على الخف في الحضر والسفر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي عنه المنع مطلقا ، وروي عنه جوازه في السفر دون الحضر .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عبد البر : لا أعلم أحدا أنكره إلا مالكا في رواية أنكرها أكثر أصحابه ، والروايات الصحيحة عنه مصرحة بإثباته ، وموطأه ، يشهد للمسح في الحضر والسفر ، وعليه جميع أصحابه ، وجميع أهل السنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الباجي : رواية الإنكار في " العتبية " وظاهرها المنع ، وإنما معناها أن الغسل أفضل من المسح ، قال ابن وهب : آخر ما فارقت مالكا على المسح في الحضر والسفر ; وهذا هو الحق الذي لا شك فيه ، فما قاله ابن الحاجب عن مالك من جوازه في السفر دون الحضر غير صحيح ، لأن المسح على الخف متواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال الزرقاني في شرح " الموطأ " : وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين ، منهم العشرة ، وروى ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصري ، حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين ، اهـ .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال النووي في شرح " المهذب " : وقد نقل ابن المنذر في كتاب " الإجماع " ، إجماع العلماء على جواز المسح على الخف ، ويدل عليه الأحاديث الصحيحة المستفيضة في مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحضر والسفر ، وأمره بذلك وترخيصه فيه ، واتفاق الصحابة ، فمن بعدهم عليه . قال الحافظ أبو بكر البيهقي : روينا جواز المسح على الخفين عن عمر ، وعلي ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وحذيفة بن اليمان ، وأبي أيوب الأنصاري ، وأبي موسى الأشعري ، وعمار بن ياسر ، وجابر بن عبد الله ، وعمرو بن العاص ، وأنس بن مالك ، وسهل بن سعد ، وأبي مسعود الأنصاري ، والمغيرة بن شعبة ، والبراء بن عازب ، وأبي سعيد الخدري ، [ ص: 339 ] وجابر بن سمرة ، وأبي أمامة الباهلي ، وعبد الله بن الحارث بن جزء ، وأبي زيد الأنصاري رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قلت : ورواه خلائق من الصحابة ، غير هؤلاء الذين ذكرهم البيهقي ، وأحاديثهم معروفة في كتب السنن وغيرها .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الترمذي : وفي الباب عن عمر ، وسلمان ، وبريدة ، وعمرو بن أمية ، ويعلى بن مرة ، وعبادة بن الصامت ، وأسامة بن شريك ، وأسامة بن زيد ، وصفوان بن عسال ، وأبي هريرة ، وعوف بن مالك ، وابن عمر ، وأبي بكرة ، وبلال ، وخزيمة بن ثابت .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن المنذر : وروينا عن الحسن البصري ، قال : حدثني سبعون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمسح على الخفين .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : وروينا عن ابن المبارك ، قال : ليس في المسح على الخفين اختلاف . اهـ .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ثبت في الصحيح من حديث المغيرة بن شعبة أنه - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخف في غزوة تبوك ، وهي آخر مغازيه - صلى الله عليه وسلم - ، وثبت في الصحيح من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخف ، ولا شك أن ذلك بعد نزول آية المائدة كما تقدم ، وفي سنن أبي داود أنهم لما قالوا لجرير : إنما كان ذلك قبل نزول المائدة ، قال : ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه النصوص الصحيحة التي ذكرنا تدل على عدم نسخ المسح على الخفين ، وأنه لا شك في مشروعيته ، فالخلاف فيه لا وجه له البتة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية