الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ) هذه ثلاثة أنواع أخرى من أحكامهم المخترعة المبنية على غواية شركهم . ( فالأول ) أنهم كانوا يقتطعون بعض أنعامهم وأقواتهم من الحبوب وغيرها ويمنعونه التصرف فيها إلا فيما يخصونها له تعبدا ويقولون : ( هي حجر ) وهو بالكسر بمعنى المحجور الممنوع أن يتصرف فيه ، كالذبح بمعنى المذبوح والطحن بمعنى المطحون ، ويجري وصفا للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع ; لأن حكمه - حكم الأسماء - غير الصفات ، وأصله ما أحيط بالحجارة ومنه حجر الكعبة وسمي العقل حجرا لأنه يمنع صاحبه مما يضر ويقبح من الأعمال . قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، والسدي : الحجر الحرام مما حرموا من الوصيلة وتحريم ما حرموا انتهى أي وما حرموا من غيرها . وقال زيد بن أسلم : حجر أي احتجروها لآلهتهم . وقال قتادة : حجر عليهم في أموالهم من الشياطين وتغليظ وتشديد ولم يكن من الله . أي ولهذا قال بزعمهم . قالوا : وكانوا يحتجرونها عن النساء ويجعلونها للرجال ، وقالوا : إن شئنا جعلنا للبنات فيه نصيبا وإن شئنا لم نجعل . وهذا أمر افتروه على الله ( والثاني ) أنعام حرمت ظهورها : أي أن تركب . قال السدي : هي البحيرة والسائبة والحامي . وقد تقدم ذكرها في سورة المائدة ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ) ( 5 : 103 ) . ( والثالث ) أنعام لا يذكرون اسم الله عليها في الذبح ، بل يهلون بها لآلهتهم وحدها . وعن أبي وائل : كانوا لا يحجون عليها فلا يلبون على ظهورها ، وقال مجاهد : كان من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها ولا في شيء من شأنها ، لا إن ركبوا ولا إن حلبوا ولا إن حملوا ولا إن سحبوا ولا إن عملوا شيئا اهـ .

                          وجملة القول أنهم قسموا أنعامهم هذا التقسيم الذي جعلوه من أحكام الدين فنسبوه إلى الله تعالى حكما وديانة ( افتراء عليه ) أي قالوه أو فعلوه مفترين إياه أو افتروه افتراء [ ص: 112 ] واختلقوه اختلاقا والله بريء منه لم يشرعه لهم ، وما كان لغير الله أن يحلل أو يحرم على العباد ما لم يأذن به كما قال في آية أخرى : ( قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون ) ( 10 : 59 ) أي بل أنتم تفترون عليه . ولا يزال بعض الناس يحلون ويحرمون على أنفسهم وعلى الناس بأهوائهم أو تقليد بعض المصنفين من أوليائهم والمنتحلين لمذاهبهم ، إما موقتا بيمين أو نذر أو تنسك تصوف ، وإما تحريما مطلقا دائما ، وهم يجهلون على ادعائهم للعلم والدين ، أنهم يتبعون بذلك المشركين الذين بينت هذه الآيات سوء حالهم ، وذيلت هذه الآية ببيان سوء مآلهم . وهو قوله تعالى : ( سيجزيهم بما كانوا يفترون ) أي سيجزون الجزاء الشديد الأليم بسبب هذا الافتراء القبيح .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية