الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 143 ] ( 6 ) الكشف وكون الإدراك للنفس :

                          إن العلم والإدراك في الحقيقة للروح ، وإن الحواس والدماغ آلات حسية للعلم ببعض الحسيات بحسب سنن هذه الحياة الدنيا ، وقد ثبت بما تقدم من الشواهد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرى من وراءه كما يرى من أمامه ، وهي رؤية روحية غير مقيدة ببصر العينين ولا بالمقابلة ، وثبت نحو من هذا لبعض المكاشفين بالروايات التي وصلت إلى درجة التواتر ، ومن هذه المكاشفة ما يقع في حال الصحة بقوة توجيه الإرادة إلى الشيء أو فجائيا بغير قصد كما وقع لمؤلف هذا التفسير في صغره ، فقد رأى جدته لأمه وهو مضطجع مسجى في بستان لها تمشي في الطريق جائية إليه حتى إذا ما رآها قد وصلت إلى مدخل البستان من الطريق العام ناداها فأجابته ، ويبعد أن يكون هذا تخيلا صادف الواقع ، وله أمثال ونظائر لولاها لتعين القول بذلك - وقد وقع لنا منه مع بعض الناس ما كنا نحمله على المصادفة لئلا يقيسوا عليه دجل المحتالين ، ولئلا نقع في الغرور ، ولكن مجموع ما نقله الثقات منه لا يحتمل التأويل ، ومنه ما يقع في النفس بغير رؤية ولا تخيل ، وإن كان فيما من شأنه أن يرى ، وليس مما نحن فيه .

                          وقد يقع في أحوال مرضية كالمريض الذي كان يعالجه الطبيب شبلي شميل بمصر ، وكان يخبر بأشياء غائبة وبأمور قبل وقوعها فيصدق بالضبط الدقيق ، ومن الأول أنه أخبر بأن قريبا له قد خرج من داره بالإسكندرية يريد السفر إلى مصر ؛ لزيارته ، ثم أخبر أنه رآه قد وصل إلى محطة الإسكندرية ودخل القطار ، وبعد مضي ثلاث ساعات وكسور أخبر أنه نزل من القطار في محطة القاهرة وخرج منها وركب مركبة لتحمله إلى الدار التي هو فيها ، ثم أخبر أنه وصل إلى الدار - وإذا به قد دخل فيها ، وكان الطبيب شبلي ينكر مثل هذا ، وينكر وجود أرواح مستقلة بالوجود تلابس الأجساد وتفارقها مدركة بالذات - أي : غير مقيدة في إدراكها بوجودها في الجسد واكتسابها العلم من حواسه وعصب دماغه - وقد صار بعد هذه الواقعة التي كتبها بقلمه ، وسمعناها من فمه ، يشبه دماغ الإنسان بالآلة الكهربائية للتلغراف اللاسلكي التي تتلقف من كهرباء الجو ما يرسله هذا التلغراف من أخبار السفن أو البلاد البعيدة ، ولكن كان من أخبار مريضه به أن سيرعف أنفه في ساعة كذا من نهار غد ، ويخرج من دمه ما يبلغ وزنه كذا . فكان كما قال ، وهذا إخبار عن الشيء قبل وقوعه لا يتناوله التشبيه الذي ذكره ، وهو من الغيب الإضافي الذي خلق الله الأرواح كلها مستعدة لإدراكه قبل وقوعه لولا ما يشغلها عنه من مدارك الحواس والعقول وهموم الحياة - لا من الغيب الحقيقي الذي استأثر الله - تعالى - بعلمه ، وقد فصلنا القول في الفرق بينهما في تفسير سورة الأنعام .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية