الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          أشراط الساعة وأماراتها :

                          إن للساعة أشراطا ثبتت في الكتاب والسنة ، قال تعالى : فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ( 47 : 18 ) الأشراط جمع شرط بفتحتين ، كأسباب جمع سبب ، وهي العلامات والأمارات الدالة على قربها وأعظمها بعثة خاتم النبيين ، بآخر هداية الوحي الإلهي للناس أجمعين ; لأن بعثته - صلى الله عليه وسلم - قد كمل بها الدين ، كما قال تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم ( 5 : 3 ) وبكماله تكمل الحياة [ ص: 404 ] البشرية الروحية ، ويتلوها كمال الحياة البشرية المادية ، وما بعد الكمال إلا الزوال ; لأن البقاء في هذا العالم محال . وقد ورد أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - نبي الساعة وتقدم حديث الصحيحين بعثت أنا والساعة كهاتين وقد وردت أحاديث أخرى في أشراط الساعة يدل بعضها على أن الشهوات المادية تتنازع مع الهداية الروحية ، فيكون لها الغلب زمنا ثم تنتصر الهداية الروحية زمنا قصيرا ، ثم يغلب الضلال والشر والفجور والكفر ، حتى تقوم الساعة على شرار الخلق ، ولكن في هذه الأحاديث اختلافا وتعارضا ، وما ينافي حكمة الله تعالى في إخفائها ، وعدم اطلاع الخلق على وقتها ، وبعضها ظاهر في قرب قيام ساعة دولة العرب أو دولة الإسلام .

                          ومن الأحاديث الصحيحة الواردة في إقبال الدنيا وسعتها من أمارات الساعة حديث جبريل الذي رواه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، وفيه أن جبريل عليه السلام لما جاء في صفة رجل غريب ، وسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام والإيمان والإحسان; ليعلم الصحابة - رضي الله عنهم - كيف يسألون عن دينهم - ثم سأله عن الساعة قال " فأخبرني عن الساعة ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، قال : فأخبرني عن أمارتها . قال : أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان " وروى هذا السؤال وحده ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وغيرهم من حديث أبي هريرة قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما بارزا للناس فأتاه رجل فقال : يا رسول الله متى الساعة ؟ فقال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، ولكن سأحدثك عن أشراطها : إذا ولدت الأمة ربتها فذاك من أشراطها ، وإذا كانت الحفاة العراة رعاء الشاء رؤوس الناس فذاك من أشراطها ، وإذا تطاول رعاء الغنم في البنيان فذاك من أشراطها " قيل : معنى ولادة الأمة ربتها كثرة السراري وأولاد السبايا - وكان لهذا طور عظيم في الفتوحات الإسلامية - وقيل : معناه أن الملوك والأمراء يكونون من أولاد السراري لا من أولاد بنات البيوتات العريقة في حسن التربية وعلو الأخلاق ، والمراد بصيرورة رعاء ( بالهمزة ) أي رعاة الغنم وأهل البداوة من أصحاب الثروة والبذخ والقصور العالية ، أن يكون من هذه الطبقة رؤساء للناس كما في حديث أبي هريرة ، وهذا قد ظهر أيضا في أمتنا وفي غيرها من الأمم ، وصار بعض تسود هذه الطبقة وأمثالهم في هذا العصر معدودا في مناقبه بعد فساد تربية كثير من أسر الأشراف والنبلاء واستعلائهم على الناس بالباطل ، وكان هذا من أمارات زوال الدولة العربية أو الإسلامية ، فهو يظهر في علامات الساعة الخاصة لا العامة .

                          وأجمع الأحاديث الصحيحة السند فيما يكون قبل الساعة ما رواه البخاري من حديث [ ص: 405 ] أبي هريرة ، وروى هو وغيره ما ذكر فيه في أحاديث أخرى مفصلة وهذا نصه عن أبي هريرة مرفوعا .

                          " لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتها واحدة ، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله ، وحتى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل ، ويتقارب الزمان وتظهر [ ص: 406 ] الفتن ، ويكثر الهرج وهو القتل ، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته ، وحتى يتطاول الناس في البنيان ، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول : يا ليتني مكانه ، وحتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ( 6 : 158 ) ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها " وتقدم تفسير هذه الجمل الأخيرة .

                          [ ص: 407 ] وفي الأحاديث أشراط وأمارات أخرى بعضها صار عاديا ، وبعضها غريبا ، ويقول علماؤنا إن منه ما وقع ، وباقيه يتوقع ، وفيها تعارض وتناقض ومشكلات حار العلماء في الجمع بينها ، وإنني أتكلم عنه كلاما إجماليا عاما ، وأبسط الكلام في أهمها بسطا خاصا ، ولا سيما أحاديث الدجال والمهدي ، فألق له السمع ووجه إليه النظر ، فهو يجلي العبرة لمن اعتبر .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية