الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 466 ] خلاصة سورة الأعراف

                          وهي تدخل في ستة أبواب

                          ( أولها ) توحيد الله تعالى إيمانا وعبادة وتشريعا ، وصفاته وشئون ربوبيته .

                          ( ثانيها ) الوحي والكتب والرسالة والرسل . ( ثالثها ) الآخرة والبعث والجزاء . ( رابعها ) أصول التشريع وبعض قواعد الشرع العامة . ( خامسها ) آيات الله وسننه في الخلق والتكوين . ( سادسها ) سنن الله تعالى في الاجتماع والعمران البشري وشئون الأمم ، المعبر عنه في عرف عصرنا بعلم الاجتماع .

                          الباب الأول

                          توحيد الله تعالى إيمانا وعبادة وتشريعا وصفاته وشئون ربوبيته

                          ( وفيه 12 أصلا )

                          ( 1 ) دعاء الله وحده وإخلاص الدين له وتخصيصه بالعبادة ، وكون الإخلال بذلك شركا وكفرا بالله تعالى . قال تعالى في الآية 29 : وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين أي: بألا تشوبه أدنى شائبة من التوجه إلى غيره في الدعاء ولا في غيره من دينكم ، كالتوجه إلى الأنبياء والصالحين ، أو ما يذكر بهم كقبورهم ، فذلك شرك ينافي خلوصه له ، قل أو كثر ، سمي شركا أو سمي توسلا وتبركا ( راجع 333 وما بعدها ج 8 ط الهيئة ) وقال تعالى في بيان حال المشركين عند موتهم من الآية 37 : حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ( 367 وما بعدها ج 8 ط الهيئة ) منه ، وأمرنا تعالى في الآية 55 بأن ندعوه تضرعا وخيفة - ونهانا عن الاعتداء في الدعاء ، وفي آية 56 بأن ندعوه خوفا وطمعا ، وفي الأول صفة دعاء الإخلاص اللسانية ، وفي الثانية صفته القلبية ( راجع 405 و 410 وما بعدهما ج 8 ط الهيئة ) .

                          ومن الأمر بعبادة الله وحده وترك عبادة غيره ما حكاه عن تبليغ الرسل لأقوامهم ، . . . . . . على أنه أصل دينه على ألسنة جميع رسله . قال تعالى : لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ( 59 ) [ ص: 467 ] ومثله عن رسوله هود عليه السلام في الآية 65 مع حكاية قول قومه له : قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا ( 70 ) ومثله ما حكاه عن رسوله صالح عليه السلام في الآية 73 وما حكاه عن رسوله شعيب عليه السلام في الآية 85 .

                          ومن بيان بطلان عبادة غير الله تعالى ، ونزغات الوثنية في اتخاذ الآلهة اتخاذا ما ورد في الآيات 138 - 140 من طلب بني إسرائيل من موسى أن يجعل لهم إلها كالقوم الذين رأوهم يعكفون على أصنام لهم ، ورد موسى عليه الصلاة والسلام عليهم ، فيراجع تفسيرها في ص 91 - 102 ج 9 ط الهيئة . وفيه بيان خطأ الرازي في فهم معنى الإله لجريه على اصطلاح المتكلمين .

                          ( 2 ) إنكار الشرك وإقامة الحجة على أهله ، وإثبات التوحيد وكونه مقتضى الفطرة في الآيات 172 و 173 في أخذ الرب الميثاق من ذرية بني آدم ، وإشهادهم على أنفسهم أنه ربهم ، ويراجع تفسيرهما في هذا الجزء .

                          ( 3 ) بيان أن شارع الدين هو الله رب العالمين ، فيجب اتباع ما أنزله ولا يجوز اتباع أولياء من دونه في العقائد ولا العبادات ، ولا التحليل والتحريم الديني ، وهو نص قوله تعالى في الآية الثالثة : اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء لا أولياء يتولون التشريع لكم بما ذكر كالذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ( 9 : 31 ) يحلون لهم ويحرمون عليهم فيتبعونهم كما فسره الحديث المرفوع ، ولا أولياء يتولون أموركم فيما عدا ما سخره الله لكم من الأسباب ، وهذا عين توحيد الربوبية . واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم لا يدخل في عموم النهي هنا ، فإنه تعالى أمر باتباعه في الآية 158 من هذه السورة وفي غيرها ، وجعل طاعته فيما أرسله به وحيا وبيانا للوحي عين طاعته كما في سورة النساء ، فلا يكون وليا من دونه بل من عنده كما بيناه في تفسير الآية ( يراجع ص272 - 275 ج 8 ط الهيئة ) .

                          ( 4 ) حظر القول على الله بغير علم بتشريع أو غيره ، وذلك قوله تعالى في الرد على المشركين من الآية أتقولون على الله ما لا تعلمون وقد بينا في تفسيرها مفاسد هذه الجريمة الشركية ص354 - 357 ج 8 ط الهيئة . ومنه يعلم خطأ الذين أنكروا الحسن والقبح في الأشياء مطلقا ، والذين حكموا العقل في التشريع الديني .

                          ( 5 ) كون جميع ما يشرعه الله تعالى حسنا في نفسه ، وتنزيهه عن الأمر بالقبيح ، وهو نص قوله تعالى في الآية 28 وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء وقوله في الآية 33 قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن إلخ فإن الفواحش ما ظهر قبحه وعظم ، والإثم ما يضر ، والبغي تجاوز حدود الحق والعدل [ ص: 468 ] والشرك بالله بغير سلطان ، أي برهان جهل ، والقول على الله بغير علم جهل وتعد على حقوق الرب تعالى ، وكل ذلك قبيح في نظر العقل ، وبعضه قبيح في الحس أيضا ، فكل ما أمر الله تعالى به فهو حسن في نفسه ، وإن خفي حسن بعضه على بعض ضعفاء الناظرين ، وكل ما نهي عنه فهو قبيح في نفسه ، وإن جهل قبحه بعض الغاوين ، ولكن العقل على إدراكه لذلك لا يستقل بمعرفة كل حسن وكل قبيح بالإحاطة والتحديد ، بل تصده عن كثير من المحاسن والقبائح التقاليد والعادات وضعف النظر والبحث .

                          ( 6 ) استواء الرب على عرشه وعلوه على خلقه ، وهو في الآية 54 وفي تفسيرها تحقيق الحق في مذهب السلف ، وهو في 401 ج 8 ط الهيئة .

                          ( 7و 8 ) تكليم الرب لموسى عليه السلام ، ومسألة رؤيته سبحانه وتعالى وبيان ذلك في تفسير قوله تعالى : ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ( 143 ) إلخ وتفسيرها ص107 - 168 ج 9 ط الهيئة . وفيه من التحقيق والحكم في مسائل الخلاف ما لا نجد له نظيرا في كتاب ، لا في أصل المسألتين ، ولا في متعلقاتهما ، كتجلي الرب سبحانه ، والحجب بينه وبين خلقه وتجليه في الصور المختلفة ، ومسائل الأرواح والكشف والرؤيا والعمل النومي والتنويم المغناطيسي ، وأنواع مدركات النفس ، ومادة الكون الأولى والنور والكهرباء ، وما يقال من أنها أصل هذه الكائنات ، والخلاف في إمكان معرفة كنه الخالق وأول المخلوقات ، ومنها مسائل الكلام ومراتبه ، ومن ذكر الحرف والصوت في كلامه تعالى . وتحقيق رجحان مذهب السلف على جميع مذاهب المتكلمين ، وفلسفتهم في الكلام والرؤية وسائر صفات الرب سبحانه وتعالى وشئونه .

                          ( 9 ) هداية الله وإضلاله في آية 178 من يهد الله فهو المهتدي إلخ . وآية 186 من يضلل الله فلا هادي له ( 186 ) إلخ . وفي تفسيرها تحقيق أن هذا الإضلال لا يقتضي الإجبار ، وإنما هو مقتضى سنة الله تعالى في خلق الإنسان ، وارتباط المسببات من أعماله بالأسباب ، فليس حجة للمعتزلة ومن شايعهم ، ولا للأشعرية والجبرية ( راجع تفسيرها في محله من هذا الجزء ) ومثله قوله تعالى : سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ( 146 ) وكذلك الطبع على القلوب في آيتي 100 و 101 كل ذلك بيان لسنن الله تعالى في طباع البشر وأعمالهم .

                          ( 10 ) الكلام في رحمة الله تعالى ومغفرته ، ومنه قرب رحمته من المحسنين في آية 56 وكونه أرحم الراحمين في الآية 151 ورحمته ومغفرته للتائبين في الآية 153 وكونه خير الغافرين 155 وسعة رحمته كل شيء ومن يكتبها أي يوجبها لهم 156 .

                          ( 11 ) أسماء الله الحسنى ودعاؤه بها والإلحاد فيها ، وهو نص الآية 180 وفي تفسيرها [ ص: 469 ] تحقيق ما ورد من هذه الأسماء في القرآن ، وحديث إن لله تسعة وتسعين اسما إلخ ( راجع تفسيرها من هذا الجزء ) .

                          ( 12 ) الأمر بذكر الله تضرعا وخيفة سرا وجهرا وكونه غذاء الإيمان ، وبعبادته وتسبيحه والسجود له وحده ، وهو في الآيتين اللتين ختم الله بهما السورة 205 و 206 .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية