الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          هذا - وإننا نختم هذا البحث بذكر ملخص أقوال الفقهاء المجتهدين وكبار المفسرين في قسمة الغنائم نقلا عن فتح البيان لعدم تعصبه لأحد منهم قال : " وقد اختلف العلماء في كيفية قسمة الخمس على أقوال ستة : ( القول الأول ) : قالت طائفة : يقسم الخمس على ستة : فيجعل السدس للكعبة [ ص: 15 ] وهو الذي لله . ( والثاني ) لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ( والثالث ) لذوي القربى . ( والرابع ) لليتامى . ( والخامس ) للمساكين . ( والسادس ) لابن السبيل .

                          ( القول الثاني ) قاله أبو العالية والربيع : تقسم الغنيمة على خمسة ، فيعزل منها سهم واحد ، ويقسم أربعة على الغانمين ، ثم يضرب يده في السهم الذي عزله فما قبضه من شيء جعله للكعبة ، ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة للرسول ومن بعده في الآية .

                          ( القول الثالث ) روي عن زين العابدين علي بن الحسين أنه قال : إن الخمس لنا . فقيل له : إن الله يقول : واليتامى والمساكين وابن السبيل فقال : يتامانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا .

                          ( القول الرابع ) قول الشافعي : إن الخمس يقسم على خمسة ، وإن سهم الله وسهم رسوله واحد يصرف في مصالح المؤمنين ، والأربعة الأخماس على الأربعة الأصناف المذكورة في الآية .

                          ( القول الخامس ) : قول أبي حنيفة : إنه يقسم الخمس على ثلاثة لليتامى والمساكين وابن السبيل ، وقد ارتفع حكم قرابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بموته كما ارتفع حكم سهمه . قال : يبدأ من الخمس بإصلاح القناطر ، وبناء المساجد ، وأرزاق القضاة والجند ، وروي نحو هذا عن الشافعي .

                          ( القول السادس ) قول مالك : إنه موكول إلى نظر الإمام واجتهاده فيأخذ منه بغير تقدير ، ويعطي منه الغزاة باجتهاده ، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين . قال القرطبي : وبه قال الخلفاء الأربعة ، وبه عملوا ، وعليه يدل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ليس لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم فإنه لم يقسمه أخماسا ولا أثلاثا ، وإنما ذكر ما في الآية من ذكره على وجه التنبيه عليهم ؛ لأنهم من أهم من يدفع إليه ، قال الزجاج محتجا لهذا القول قال الله تعالى : يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ( 2 : 215 ) وجائز بإجماع أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك . أخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال : كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجعل سهم الله في السلاح والكراع ، وفي سبيل الله ، وفي كسوة الكعبة وطيبها ، وما تحتاج إليه الكعبة ، ويجعل سهم الرسول في الكراع والسلاح ، ونفقة أهله ، وسهم ذوي القربى لقرابته يضعه رسول الله فيهم مع سهمهم مع الناس ، ولليتامى وللمساكين وابن السبيل ثلاثة أسهم يضعها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيمن شاء وحيث شاء ، ليس لبني عبد المطلب في هذه الثلاثة الأسهم ( ؟ ) ولرسول الله سهم مع سهام الناس ، وعن ابن بريدة قال : الذي لله [ ص: 16 ] لنبيه ، والذي للرسول لأزواجه ، وعن أبي العالية قال : كان يجاء بالغنيمة فتوضع فيقسمها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على خمسة أسهم فيعزل سهما منها ، ويقسم أربعة أسهم بين الناس - يعني لمن شهد الوقعة - ثم يضرب بيده في جميع السهم الذي عزله فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة فهو الذي سمي لله لا تجعلوا لله نصيبا فإن لله الدنيا والآخرة ثم يعمد إلى بقية السهم فيقسمه على خمسة أسهم ، سهم للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل ، وعن ابن عباس قال : فأن لله خمسه مفتاح كلام ، أي على سبيل التبرك ، وإنما أضافه لنفسه ؛ لأنه هو الحاكم فيه فيقسمه كيف شاء ، وليس المراد منه أن سهما منه لله مفردا ؛ لأن لله ما في السماوات وما في الأرض ، وبه قال الحسن وقتادة وعطاء وإبراهيم النخعي قالوا : سهم الله وسهم رسوله واحد ، وذكر الله للتعظيم ، فجعل هذين السهمين في الخيل والسلاح ، وجعل سهما لليتامى والمساكين ، وابن السبيل لا يعطيه غيرهم . وجعل الأربعة الأسهم الباقية للفرس سهمين ولراكبه سهما ، وللراجل سهما ، وعنه ـ رضي الله عنه ـ قال : كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس ، فأربعة منها بين من قاتل عليها ، وخمس واحد يقسم على أربعة أخماس ، فربع لله وللرسول ولذي القربى يعني قرابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يأخذ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الخمس شيئا . والربع الثاني لليتامى ، والربع الثالث للمساكين ، والربع الرابع لابن السبيل وهو الضعيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين اهـ . وقد أكد الله أمر هذا التخميس بقوله : إن كنتم آمنتم بالله الواحد القهار ، الفاعل المختار وما أنزلنا على عبدنا الكامل في عبوديتنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الآيات البينات ، والملائكة المثبتين لكم في القتال ، والنصر المبين على الأعداء يوم الفرقان الذي فرقنا به بين الإيمان وأهله ، وبين الكفر وأهله وهو يوم بدر يوم التقى الجمعان جمع المؤمنين ، وجمع المشركين في الحرب والنزال - أي : إن كنتم آمنتم بما ذكر إيمان إيقان وإذعان .

                          وقد شاهدتم ذلك بالعيان ، فاعلموا أن ما غنمتم من شيء قل أو كثر فأن لله خمسه ؛ لأنه هو مولاكم وناصركم ، كما أنه مالك أمركم في سائر شئونكم ، وللرسول الذي هداكم به ، وفضلكم على غيركم إلخ . فيجب أن ترضوا بحكم الله في الغنائم كغيرها ، وبقسمة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها ، وفيه أن الإيمان يقتضي الإذعان النفسي والعمل ، قال علي كرم الله وجهه ورضي عنه : كانت ليلة الفرقان التي التقى الجمعان في صبيحتها ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان ، وهو أول مشهد شهده رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

                          والله على كل شيء قدير فكان مما شهدتم من تصريف قدرته بقضائه وقدره مع [ ص: 17 ] تأييد رسوله ، وإنجاز وعده له ، أن نصركم على قلتكم وجوعكم وضعفكم على ثلاثة أضعاف عددكم أو أكثر من الأقوياء ، كما تقدم في تفسير أوائل السورة .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية