الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( 6 ) التزام أداء الزكاة كاف لإعادة مجد الإسلام :

                          المال قوام الحياة الاجتماعية والملية أو ملاكها وقيام نظامها كما قال الله تعالى : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ( 4 : 5 ) إن الإسلام يمتاز على جميع الأديان والشرائع بفرض الزكاة فيه ، كما يعترف له بهذا حكماء جميع الأمم وعقلاؤها ، ولو أقام المسلمون هذا الركن من دينهم لما وجد فيهم - بعد أن كثرهم الله ، ووسع عليهم في الرزق - فقير مدقع ، ولا ذو غرم مفجع ، ولكن أكثرهم تركوا هذه الفريضة فجنوا على دينهم وملتهم وأمتهم فصاروا أسوأ من جميع الأمم حالا في مصالحهم الملية والسياسية ، حتى فقدوا ملكهم وعزهم وشرفهم النصرانية ، وصاروا عالة على أهل الملل الأخرى حتى في تربية أبنائهم وبناتهم ، فهم يلقونهم في مدارس دعاة أو دعاة الإلحاد فيفسدون عليهم دينهم ودنياهم ، ويقطعون روابطهم الملية والجنسية ، ويعدونهم ليكونوا عبيدا أذلة للأجانب عنهم . وإذا قيل لهم : لماذا لا تؤسسون لأنفسكم مدارس [ ص: 444 ] كمدارس هؤلاء الرهبان والمبشرين ؟ أو الملاحدة الإباحيين ؟ قالوا : إننا لا نجد من المال ما يقوم بذلك . وإنما الحق أنهم لا يجدون من الدين والعقل وعلو الهمة والغيرة ما يمكنهم من ذلك ، فهم يرون أبناء الملل الأخرى يبذلون للمدارس وللجمعيات الخيرية والسياسية مالا لم يوجبه عليهم دينهم ، وإنما أوجبته عليهم عقولهم وغيرتهم الملية والقومية ولا يغارون منهم ، وإنما يرضون أن يكونوا عالة عليهم . تركوا دينهم ، فضاعت له دنياهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ( 59 : 19 ) .

                          فالواجب على دعاة الإصلاح فيهم أن يبدءوا بإصلاح من بقي فيه بقية من الدين والشرف بتأليف جمعية لتنظيم جمع الزكاة منهم ، وصرفها قبل كل شيء في مصالح المرتبطين بهذه الجمعية دون غيرهم ، ويجب أن يراعى في نظام هذه الجمعية أن لسهم المؤلفة قلوبهم مصرفا في مقاومة الردة والإلحاد ، وأن لسهم فك الرقاب مصرفا في تحرير الشعوب المستعمرة من الاستعباد إذا لم يكن له مصرف تحرير الأفراد ، وأن لسهم سبيل الله مصرفا في السعي لإعادة حكم الإسلام ، وهو أهم من الجهاد لحفظه في حال وجوده من عدوان الكفار ، ومصرفا آخر في الدعوة إليه ، والدفاع عنه بالألسنة والأقلام ، إذا تعذر الدفاع عنه بالسيوف والأسنة وبألسنة النيران .

                          ألا إن إيتاء المسلمين أو أكثرهم للزكاة وصرفها بالنظام ، كاف لإعادة مجد الإسلام ، بل لإعادة ما سلبه الأجانب من دار الإسلام ، وإنقاذ المسلمين من رق الكفار ، وما هي إلا بذل العشر أو ربع العشر مما فضل عن حاجة الأغنياء . وإننا نرى الشعوب التي سادت المسلمين بعد أن كانوا سادتهم يبذلون أكثر من ذلك في سبيل أمتهم وهو غير مفروض عليهم من ربهم .

                          وقد كثر تساؤل أذكياء المسلمين عن إحياء فريضة الزكاة ، وقوي استعداد أهل الغيرة للقيام به في هذا العصر ، وكاد أهل الأهواء يستغلون هذا الاستعداد لمنافعهم ، فهل نجد من أهل الاستقامة من ينهض به نهضة تكون أهلا لأن يثق بها العالم الإسلامي ويعززها ، قبل أن يقطع عليهم المنافقون والأعداء طريقها ؟ .

                          طالما طالبنا العقلاء بالدعوة إلى هذا العمل الجليل ، وما زلنا نسوف انتظارا للأنصار الذين أشرنا إلى صفتهم ، وقد اضطررنا إلى التصريح بالاقتراح هنا قبل العثور عليهم . وسنعود إن شاء الله تعالى إلى بقيةفوائد الزكاة وحكمها وأحكامها في تفسير آية : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ( 103 ) في أواخر هذه السورة .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية