الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 94 ] ( الفصل الثاني )

                          ( في صفة الإسلام ومدخله وأهم أصول التشريع فيه ، وفيه عشرة أصول )

                          ( الأصل الأول ) أن دين الإسلام هو نور الله تعالى العام ، وهداه الكامل التام ، الذي نسخ به ما تقدمه من الأديان ، ووعد الله عز وجل بإتمامه ، وخذلان مريدي إطفائه ، وذلك نص الآيتين ( 32 و 33 ) وتجد في تفسيرهما في ( ص 333 - 343 ج 10 ط الهيئة ) ما لا تجد مثله في شيء من كتب التفسير الأخرى من إظهاره على جميع الأديان ، بالحجة والبرهان ، والهداية والعرفان ، والعلم والعمران ، والسيادة والسلطان .

                          ( الأصل الثاني ) مدخل الإسلام ومفتاحه وما يتحقق به وهو قوله تعالى في المشركين : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) ( 9 : 5 ) ويؤكدها قوله : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ) ( 9 : 11 ) والمراد التوبة من الشرك وتحصل بالإقرار بالشهادتين ، وتجد في تفسيرهما خلاف العلماء في كفر تارك الصلاة ومانع الزكاة من أفراد المسلمين ( ص 151 و 169 وما بعدهما ج 10 ط الهيئة ) .

                          ( الأصل الثالث ) بناء الإسلام على العلم الصحيح دون التقليد الذي ذمه القرآن في آيات كثيرة وشنع به على المشركين . ودليله في هذه السورة قوله تعالى في تعليل الأمر بإجارة المشرك الحربي في دار الإسلام ليسمع القرآن : ( ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ) ( 9 : 6 ) وقوله في الآية : ( ونفصل الآيات لقوم يعلمون ) ( 9 : 11 ) وأصرح منهما قوله في مقلدة أهل الكتاب ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ( 9 : 31 ) مع تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك باتباعهم إياهم فيما يحلون لهم ويحرمون عليهم ( ص 317 وما بعدها ج 10 ط الهيئة ) .

                          ( الأصل الرابع ) أن التكليف العام من العبادات ، والحلال والحرام الديني لا يثبت إلا بنص قطعي ، وهو ما كان عليه السلف الصالح ، وأصل مذهب الحنفية وشاهده في هذه السورة قوله تعالى : ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) ( 9 : 115 ) وبيانه في تفسيرها ( في أول هذا الجزء ) .

                          ( الأصل الخامس ) جهاد المشركين في سبيل الله وعدم السماح بهم بالإقامة في بلاد العرب أو يدخلوا في الإسلام وهو في آيات ، منها الآية التي سموها آية السيف وهي الخامسة ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) ( 9 : 5 ) وهي غير ناسخة لآيات العفو والصفح والإعراض عن المشركين كما قيل ، وترى في تفسيرها تحقيق الآيات [ ص: 95 ] الناسخة والمنسوخة ( ص 150 ج 10 ط الهيئة ) وستأتي أحكام القتال وقواعده في الباب الرابع الآتي .

                          ( الأصل السادس ) جعل الغاية من قتال أهل الكتاب أداء الجزية لنا بشرطها إلا أن يدخلوا في الإسلام ، وهو في الآية ( 29 ) وستذكر في أحكام القتال .

                          ( الأصل السابع ) المساواة بين الرجال والنساء في ولاية الإيمان المطلقة وصفاته الشخصية والعامة المشتركة في قوله ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ) ( 9 : 71 ) ويدخل في إطلاق الولاية ولاية النصر والدفاع عن الأمة والبلاد ، إلا أنه لا يجب على النساء القتال إلا في حال النفير العام ( ص 466 وما بعدها ج 10 ط الهيئة ) .

                          ( الأصل الثامن ) المساواة بين الرجال والنساء في جميع نعيم الآخرة تبعا للمساواة في التكليف ، وهو نص قوله تعالى : ( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات ) ( 9 : 71 ) إلخ .

                          ( الأصلان التاسع والعاشر ) وجوب طلب العلم والتفقه في الدين . ووجوب بث العلم مقرونا بالوعظ والإنذار الذي يرجى تأثيره النافع - وهما في الآية ( 122 ) .

                          وفي السورة من أصول الإيمان عقيدة البعث وجزاء المؤمنين والكافرين والمنافقين في آيات كثيرة كسائر القرآن ( تراجع الآيات 3 و 17 و 18 و 19 و 21 و 22 و 31 و 44 و 45 و 49 و 61 و 63 و 68 و 69 و 74 و 81 و 95 ) .

                          وفائدة هذا التكرار أن ترسخ هذه العقيدة في قلوب المتعبدين بتلاوة القرآن ، بكثرة تذكرها في المواضع المختلفة من ذكر الأعمال التي يترتب عليها ذلك الجزاء ، وإن من ضروب إعجاز القرآن أن يرد فيه المعنى الواحد في العشرات أو المئات من المواضع ، ولا يمل تكراره القارئ ولا السامع .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية