الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ولما بين تبارك اسمه ما يحرم بالأسباب الثابتة ، وقدم الأقوى في علته ، وحكمته على غيره بين بعد ذلك ما يحرم بسبب عارض إذا زال يزول التحريم فقال : وأن تجمعوا بين الأختين أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين في الاستمتاع الذي يراد به الولد سواء كان بعقد النكاح ، أو ملك اليمين . هذا ما عليه جمهور الصحابة ، وعلماء التابعين ، ومن تبعهم ، وهو المتبادر ، وروي عن بعضهم الخلاف في الجمع بين الأختين بملك اليمين مع إطلاق إباحة الاستمتاع بما ملكت الأيمان على الإطلاق ، وروي عن عثمان أنه قال : أحلتهما آية وحرمتهما آية .

                          وحجة الجمهور أن سائر ما في الآية من المحرمات عام في النكاح ، والملك ، فلا وجه لاستثناء [ ص: 394 ] هذا وحده منها . وأن إطلاق إباحة ما ملكت الأيمان إنما هو بيان لسبب الحل دون شروطه التي تعلم من نصوص أخرى ، فمن ملك إحدى محارمه لا يحل له الاستمتاع بها ، ولو جاز الجمع بين الأختين في استمتاع الملك لجاز الجمع بين الأم ، وبنتها في ذلك ، ومن يقول بذلك ؟ والمذاهب الأربعة متفقة على تحريم الاستمتاع بالأختين في ملك اليمين ، وكذلك الجمع بينهما بالنكاح ، والملك ، كأن يكون مالكا لإحداهما ، ومتزوجا الأخرى ، فيحرم عليه أن يستمتع بهما معا .

                          ويجب عليه أن يحرم إحداهما على نفسه ، كأن يعتق المملوكة ، أو يهبها ، ويسلمها للموهوبة له ، والتفصيل في كتب الفقه ، ويدخل في ذلك الأختان من الرضاعة ، وقد فهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من تحريم الجمع بين الأختين ما في معناه وهو الجمع بين المرأة ، وعمتها ، أو خالتها قال العلماء : والضابط في هذا أنه يحرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة لو كانت إحداهما ذكرا لحرم عليه بها نكاح الأخرى : وهو الذي تظهر فيه العلة وتنطبق عليه الحكمة .

                          ثم قال - عز وجل - : إلا ما قد سلف أي حرم عليكم ما ذكر لكن ما سلف لكم قبل التحريم لا تؤاخذون عليه ، وكانوا يجمعون بين الأختين في الجاهلية وقيل : إلا ما سلف في الشرائع السابقة . وورد في حديث أحمد ، وأبي داود ، والترمذي ، وحسنه ، وابن ماجه عن فيروز الديلمي أنه أدركه الإسلام وتحته أختان ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : طلق أيتهما شئت إن الله كان غفورا رحيما لا يؤاخذكم بما سلف منكم في زمن الجاهلية إذا أنتم التزمتم العمل بشريعته في الإسلام ، فمن مغفرته أن يمحو من نفوسكم أثر تلك الأعمال المنكرة التي تنافي سلامة الفطرة ، ومن رحمته بكم أن شرع لكم من أحكام النكاح ما فيه المصلحة لكم ، وتوثيق روابط القرابة ، والصهر ، والرضاع بينكم لتتراحموا ، وتتعاطفوا ، وتتعاونوا على البر ، والتقوى فتنالوا تمام الرحمة في الدنيا والآخرة .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية