الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          3 - التثليث عند قدماء المصريين :

                          قال دوان في ص 473 من كتابه المشار إليه آنفا : وكان قسيسو هيكل منفيس بمصر يعبرون عن الثالوث المقدس للمبتدئين بتعلم الدين ، بقولهم : إن الأول خلق الثاني ، وهما خلقا الثالث ، وبذلك تم الثالوث المقدس . وسأل توليسو ملك مصر الكاهن تنيشوكي أن يخبره [ ص: 75 ] هل كان قبله أحد أعظم منه ، وهل يكون بعده أحد أعظم منه ؟ فأجابه الكاهن : نعم ، يوجد من هو أعظم وهو الله قبل كل شيء ، ثم الكلمة ، ومعهما روح القدس ; ولهؤلاء الثلاثة طبيعة واحدة وهم واحد بالذات ، وعنهم صدرت القوة الأبدية ، فاذهب يا فاني ، يا صاحب الحياة القصيرة .

                          قال المؤلف : لا ريب أن تسمية الأقنوم الثاني من الثالوث المقدس " كلمة " هو من أصل وثني مصري دخل في غيره من الديانات كالمسيحية و " أبولو " المدفون في ( دهلي ) يدعى " الكلمة " وفي علم اللاهوت الإسكندري الذي كان يعلمه ( بلاتو ) قبل المسيح بسنين عديدة : " الكلمة هي الإله الثاني " ويدعى أيضا : ابن الله البكر .

                          وقال بونويك ( في ص 402 من كتابه : عقائد قدماء المصريين ) : أغرب عقيدة عم انتشارها في ديانة المصريين هي قولهم بلاهوت الكلمة ، وأن كل شيء صار بواسطتها ، وأنها منبثقة من الله ، وأنها هي الله ، وكان بلاتو عارفا بهذه العقيدة الوثنية ، وكذلك أرسطو وغيرهما ، وكان ذلك قبل التاريخ المسيحي بسنين - بل بقرون - ولم نكن نعلم أن الكلدانيين والمصريين يقولون هذا القول ويعتقدون هذا الاعتقاد إلا في هذه الأيام . اهـ .

                          أقول : الذي يظهر لي أن الرسل الذين أرسلهم الله إلى المصريين وأمثالهم من القائلين بمثل قولهم هذا كانوا يقولون لهم : إن كل شيء خلق بكلمة الله ، فلما طال عليهم الأمد ، وسرت إليهم الوثنية ظنوا أن الكلمة ذات تفعل بالإرادة والاختيار ، فقالوا ما قالوا ، والحق أنها عبارة عن تعلق إرادة الله الواحد الأحد بالشيء الذي يريد خلقه ، ومتى تعلقت إرادته بخلق شيء كان كما أراد إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ( 36 : 82 ) فلو لم يكن عندنا من إعجاز القرآن إلا بيان هذه الحقيقة التي ضلت بها الأمم من أقدمها - كالهنود والمصريين - إلى أحدثها قبل الإسلام كالنصارى ؛ لكفى في الاستدلال على أنه من عند الله ، فإنه بين لنا ضلال تلك الأمم ، والأصل المعقول المقبول الذي يتفق مع التوحيد الذي نقل عنهم أجمعين ، فتجلى بذلك دين الله إلى جميع رسله نقيا من أدران الشرك ونزغات الشياطين .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية