الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          واختلفوا في نقض الوضوء بمس الفرج بدون حائل . والأصل فيه تعارض الأحاديث ( فمنها ) في إثبات النقض حديث بسرة المرفوع : " من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ " رواه مالك والشافعي وأحمد وأصحاب السنن الأربعة ، وصححه الترمذي ، وفي رواية لأحمد والنسائي " ، ويتوضأ من مس الذكر " ، قالوا : ويشمل ذكر نفسه وغيره ، وهو معقول ، وإن كان الظاهر أنه رواية بالمعنى ، ولم يخرجه الشيخان في صحيحيهما ; لاختلاف وقع في سماع عروة من بسرة . قيل : سمع منها ، وقيل : من مروان عنها ، ومروان مطعون فيه ، وقيل : أرسل مروان رجلا من حرسه إلى بسرة ، فسألها عنه ، وعاد فأخبره بأنها قالته ، والحرسي مجهول العدالة . وقال البخاري : إن هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب ، وإن لم يخرجه في صحيحه لما ذكر . وحديث أم حبيبة المرفوع : " من مس فرجه فليتوضأ " رواه ابن ماجه ، وصححه أحمد ، وأبو زرعة . وحديث أبي هريرة المرفوع : " من أفضى بيده إلى ذكره ، ليس دونه ستر ، فقد وجب عليه الوضوء " رواه أحمد ، وابن حبان في صحيحه ، وصححه الحاكم ، وابن عبد البر أيضا . وحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده يرفعه : " أيما رجل مس فرجه فليتوضأ ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ " رواه أحمد ، والترمذي ، وروي الأخذ بهذه الأحاديث عن عمر ، وابنه عبد الله ، وأبي هريرة ، وابن عباس ، وسعد بن أبي وقاص ، وعائشة ، وعن عطاء ، والزهري ، وسعيد بن المسيب ، ومجاهد ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ومالك في المشهور عنه ، واشترط الشافعي أن يكون المس بباطن الكف ، وظاهر حديث أبي هريرة العموم ; لأن الإفضاء معناه الوصول ، وكأن الشافعي فهم هذا من أن الواقع أن المس الاختياري المعتاد إنما يكون بباطن الكف ، وهو الذي يكون مظنة إثارة الشهوة التي هي علة النقض فيما يظهر ، فلا يعتد بغيره ، وروي عن مالك ، أن الوضوء إنما يندب من المس ندبا ، ويرده حديث أبي هريرة . وقيل : إن رواية الفرج تشمل القبل والدبر ، وعليه الشافعي في الجديد . والظاهر أن المراد بالفرج [ ص: 213 ] القبل ; لموافقة أكثر الروايات ، ولأن شرج الدبر لا يلمس عادة ، ولا هو مظنة إثارة الشهوة .

                          وروي القول بعدم النقض بالمس عن علي وابن مسعود وعمار بن ياسر ، وعن الحسن البصري ، وربيعة ، وغيرهم من الصحابة ، والتابعين ، وهو مذهب الثوري ، والعترة ، والحنفية ، وحجة هؤلاء في معارضة تلك الأحاديث ، حديث طلق بن علي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : الرجل يمس ذكره أعليه وضوء ؟ فقال : " إنما هو بضعة منك " رواه أحمد ، وأصحاب السنن الأربعة ، والدارقطني ، وصححه ابن حبان ، والطبري ، وابن حزم ، وعمرو بن علي بن الفلاس ، وقال : هو عندنا أثبت من حديث بسرة ، وروي عن علي بن المديني أنه قال : هو عندنا أحسن من حديث بسرة ، والصواب أنه صحيح ، وأن حديث بسرة أصح منه وأقوى دعائم ; لما يؤيده من الأحاديث الأخرى ، وادعى بعضهم نسخ حديث طلق ; لأنه روى حديث النقض بلفظ حديث أم حبيبة . وقال بعضهم : إنما ينقض المس إذا كان بلذة ، ورأى الشعراني في الجمع بين الحديثين على طريقته في الميزان ، أن نقض الوضوء بالمس عزيمة ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يوجبه على أهل العزائم من الصحابة سكان المدينة ، ومثلها سائر الأمصار التي يسهل فيها الوضوء في كل وقت ، وعدم النقض رخصة رخص بها للسائل ، وكان بدويا ، وعلماء الأصول يردون مثل هذا الجمع بأن أحاديث النقض وردت بصيغة العموم .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية