الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

                                                                                                                                                                                                                                      الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ( 16 )

                                                                                                                                                                                                                                      قوله ( قل أرأيتم ) أي : أخبروني إن كان من عند الله يعني ما يوحى إليه من القرآن ، وقيل المراد محمد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، والمعنى : إن كان مرسلا من عند غير الله ، وقوله : ( وكفرتم به ) في محل نصب على الحال بتقدير قد ، وكذلك قوله : وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله والمعنى : أخبروني إن كان ذلك في الحقيقة من عند الله والحال أنكم قد كفرتم به ، وشهد شاهد من بني إسرائيل العالمين بما أنزل الله في التوراة على مثله : أي : القرآن من المعاني الموجودة في التوراة المطابقة له من إثبات التوحيد والبعث والنشور وغير ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه المثلية هي باعتبار تطابق المعاني وإن اختلفت الألفاظ .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الجرجاني : " مثل " صلة ، والمعنى : وشهد شاهد عليه أنه من عند الله ، وكذا قال الواحدي

                                                                                                                                                                                                                                      فآمن الشاهد بالقرآن لما تبين له أنه من كلام الله ومن جنس ما ينزله على رسله وهذا الشاهد من بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام كما قال الحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، وعكرمة ، وغيرهم ، وفي هذا نظر فإن السورة مكية بالإجماع ، وعبد الله بن سلام كان إسلامه بعد الهجرة ، فيكون المراد بالشاهد رجلا من أهل الكتاب قد آمن بالقرآن في مكة وصدقه ، واختار هذا ابن جرير ، وسيأتي في آخر البحث ما يترجح به أنه عبد الله بن سلام وأن هذه الآية مدنية لا مكية .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن مسروق أن المراد بالرجل موسى عليه السلام ، وقوله : ( واستكبرتم ) معطوف على ( شهد ) : أي : آمن الشاهد واستكبرتم أنتم عن الإيمان إن الله لا يهدي القوم الظالمين فحرمهم الله سبحانه الهداية لظلمهم لأنفسهم بالكفر بعد قيام الحجة الظاهرة على وجوب الإيمان ، ومن فقد هداية الله له ضل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد اختلف في جواب الشرط ماذا هو ؟ فقال الزجاج : محذوف تقديره أتؤمنون ، وقيل قوله : فآمن واستكبرتم وقيل محذوف تقديره : فقد ظلمتم لدلالة إن الله لا يهدي القوم الظالمين عليه ، وقيل تقديره : فمن أضل منكم ، كما في قوله : أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل [ فصلت : 52 ] الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو علي الفارسي : تقديره أتأمنون عقوبة الله ، وقيل التقدير : ألستم ظالمين .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر سبحانه نوعا آخر من أقاويلهم الباطلة ، فقال : وقال الذين كفروا للذين آمنوا أي لأجلهم ، ويجوز أن تكون هذه اللام هي لام التبليغ لو كان خيرا ما سبقونا إليه أي : لو كان ما جاء به محمد من القرآن والنبوة خيرا ما سبقونا إليه لأنهم عند أنفسهم المستحقون للسبق إلى كل مكرمة ، ولم يعلموا أن الله سبحانه يختص برحمته من يشاء ، ويعز من يشاء ، ويذل من يشاء ، ويصطفي لدينه من يشاء وإذ لم يهتدوا به أي بالقرآن ، وقيل بمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وقيل : بالإيمان فسيقولون هذا إفك قديم فجاوزوا نفي خيرية القرآن إلى دعوى أنه كذب قديم كما قالوا : أساطير الأولين ، والعامل في " إذ " مقدر : أي : ظهر عنادهم ، ولا يجوز أن يعمل فيه فسيقولون لتضاد الزمانين ، أعني المضي والاستقبال ولأجل الفاء أيضا ، وقيل إن العامل فيه فعل مقدر من جنس المذكور : أي : لم يهتدوا به . وإذا لم يهتدوا به فسيقولون .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قبله كتاب موسى قرأ الجمهور بكسر الميم من ( من ) على أنها حرف جر ، وهي مع مجرورها خبر مقدم ، وكتاب موسى مبتدأ مؤخر ، والجملة في محل نصب على الحال ، أو هي مستأنفة ، والكلام مسوق لرد قولهم هذا إفك قديم فإن كونه قد تقدم القرآن كتاب موسى ، وهو التوراة وتوافقا في أصول الشرائع يدل على أنه حق وأنه من عند الله ، ويقتضي بطلان قولهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ بفتح ميم " من " على أنها موصولة ، ونصب ( كتاب ) : أي وآتينا من قبله كتاب موسى ، ورويت هذه القراءة عن الكلبي .

                                                                                                                                                                                                                                      إماما ورحمة أي يقتدى به في الدين ورحمة من الله لمن آمن به ، وهما منتصبان على الحال . قاله الزجاج وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الأخفش على القطع ، وقال أبو عبيدة : أي جعلناه إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق يعني القرآن فإنه مصدق لكتاب موسى الذي هو إمام ورحمة ولغيره من كتب الله ، وقيل : مصدق للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وانتصاب لسانا عربيا على الحال الموطئة ، وصاحبها الضمير في ( مصدق ) العائد إلى ( كتاب ) ، وجوز أبو البقاء أن يكون مفعولا ل ( مصدق ) ، والأول أولى ، وقيل هو على حذف مضاف : أي : ذا لسان عربي ، وهو النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لينذر الذين ظلموا قرأ الجمهور ( لينذر ) بالتحتية على أن فاعله ضمير يرجع إلى الكتاب : أي لينذر الكتاب الذين ظلموا ، وقيل الضمير راجع إلى الله ، وقيل إلى الرسول ، والأول أولى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ نافع ، وابن عامر ، والبزي بالفوقية على أن فاعله النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، واختار هذه القراءة أبو حاتم ، وأبو عبيد ، وقوله : وبشرى للمحسنين في محل نصب عطفا على محل ( لينذر ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال [ ص: 1364 ] الزجاج : الأجود أن يكون في محل رفع : أي وهو بشرى ، وقيل على المصدرية لفعل محذوف : أي وتبشر بشرى ، وقوله : ( للمحسنين ) متعلق بـ ( بشرى ) .

                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا أي جمعوا بين التوحيد والاستقامة على الشريعة ، وقد تقدم تفسير هذا في سورة السجدة فلا خوف عليهم الفاء زائدة في خبر الموصول لما فيه من معنى الشرط ، ( ولا هم يحزنون ) المعنى : أنهم لا يخافون من وقوع مكروه بهم ، ولا يحزنون من فوات محبوب وأن ذلك مستمر دائم .

                                                                                                                                                                                                                                      أولئك أصحاب الجنة أي : أولئك الموصوفون بما ذكر أصحاب الجنة ، التي هي دار المؤمنين حال كونهم خالدين فيها وفي هذه الآية من الترغيب أمر عظيم ، فإن نفي الخوف والحزن على الدوام والاستقرار في الجنة على الأبد مما لا تطلب الأنفس سواه ولا تتشوف إلى ما عداه جزاء بما كانوا يعملون أي يجزون جزاء بسبب أعمالهم التي عملوها من الطاعات لله وترك معاصيه .

                                                                                                                                                                                                                                      ووصينا الإنسان بوالديه حسنا قرأ الجمهور ( حسنا ) بضم الحاء وسكون السين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ علي ، والسلمي ، بفتحهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن عباس ، والكوفيون ( إحسانا ) وقد تقدم في سورة العنكبوت ووصينا الإنسان بوالديه حسنا من غير اختلاف بين القراء وتقدم في سورة الأنعام وسورة بني إسرائيل وبالوالدين إحسانا [ الإسراء : 23 ] فلعل هذا هو وجه اختلاف القراء في هذه الآية ، وعلى جميع هذه القراءات فانتصابه على المصدرية : أي وصيناه أن يحسن إليهما حسنا ، أو إحسانا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : على أنه مفعول به بتضمين ( وصينا ) معنى ألزمنا ، وقيل : على أنه مفعول له حملته أمه كرها ووضعته كرها قرأ الجمهور ( كرها ) في الموضعين بضم الكاف .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو عمر وأهل الحجاز بفتحهما .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الكسائي : وهما لغتان بمعنى واحد .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو حاتم : ( الكره ) بالفتح لا يحسن لأنه الغضب والغلبة ، واختار أبو عبيد قراءة الفتح قال : لأن لفظ ( الكره ) في القرآن كله بالفتح إلا التي في سورة البقرة كتب عليكم القتال وهو كره لكم [ البقرة : 216 ] وقيل إن الكره بالضم ما حمل الإنسان على نفسه ، وبالفتح ما حمل على غيره .

                                                                                                                                                                                                                                      وإنما ذكر سبحانه حمل الأم ووضعها تأكيدا لوجوب الإحسان إليها الذي وصى الله به ، والمعنى : أنها حملته ذات كره ووضعته ذات كره .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم بين سبحانه مدة حمله وفصاله ، فقال : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا أي : مدتهما هذه المدة من عند ابتداء حمله إلى أن يفصل من الرضاع : أي يفطم عنه ، وقد استدل بهذه الآية على أن أقل الحمل ستة أشهر ؛ لأن مدة الرضاع سنتان : أي : مدة الرضاع الكامل كما في قوله : حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة [ البقرة : 233 ] فذكر سبحانه في هذه الآية أقل مدة الحمل ، وأكثر مدة الرضاع .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه الآية إشارة إلى أن حق الأم آكد من حق الأب لأنها حملته بمشقة ووضعته بمشقة ، وأرضعته هذه المدة بتعب ونصب ، ولم يشاركها الأب في شيء من ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      قرأ الجمهور ( وفصاله ) بالألف ، وقرأ الحسن ، ويعقوب ، وقتادة ، والجحدري ( وفصله ) بفتح الفاء وسكون الصاد بغير ألف ، والفصل والفصال بمعنى : كالفطم والفطام ، والقطف والقطاف حتى إذا بلغ أشده أي بلغ استحكام قوته وعقله ، وقد مضى تحقيق الأشد مستوفى ولا بد من تقدير جملة تكون حتى غاية لها : أي عاش واستمرت حياته حتى بلغ أشده ، قيل بلغ عمره ثماني عشرة سنة ، وقيل : الأشد الحلم ، قاله الشعبي ، وابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن : هو بلوغ الأربعين ، والأول أولى لقوله : وبلغ أربعين سنة فإن هذا يفيد أن بلوغ الأربعين هو شيء وراء بلوغ الأشد .

                                                                                                                                                                                                                                      قال المفسرون : لم يبعث الله نبيا قط إلا بعد أربعين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال رب أوزعني أي ألهمني .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الجوهري : استوزعت الله فأوزعني : أي استلهمته فألهمني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي أي ألهمني شكر ما أنعمت به علي من الهداية ، وعلى والدي من التحنن علي منهما حين ربياني صغيرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : أنعمت علي بالصحة والعافية ، وعلى والدي بالغنى والثروة ، والأولى عدم تقييد النعمة عليه ، وعلى أبويه بنعمة مخصوصة وأن أعمل صالحا ترضاه أي وألهمني أن أعمل عملا صالحا ترضاه مني وأصلح لي في ذريتي أي اجعل ذريتي صالحين راسخين في الصلاح متمكنين منه .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي لمن بلغ عمره أربعين سنة أن يستكثر من هذه الدعوات ، وقد روي أنها نزلت في أبي بكر كما سيأتي في آخر البحث إني تبت إليك من ذنوبي وإني من المسلمين أي : المستسلمين لك المنقادين لطاعتك المخلصين لتوحيدك .

                                                                                                                                                                                                                                      والإشارة بقوله : أولئك إلى الإنسان المذكور ، والجمع ؛ لأنه يراد به الجنس . وهو مبتدأ ، وخبره الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا من أعمال الخير في الدنيا والمراد بالأحسن الحسن كقوله : واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم [ الزمر : 55 ] وقيل : إن اسم التفضيل على معناه ، ويراد به ما يثاب العبد عليه من الأعمال ، لا ما لا يثاب عليه كالمباح فإنه حسن ، وليس بأحسن ونتجاوز عن سيئاتهم فلا نعاقبهم عليها .

                                                                                                                                                                                                                                      قرأ الجمهور ( يتقبل ) و ( يتجاوز ) على بناء الفعلين للمفعول .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ حمزة ، والكسائي بالنون فيهما على إسنادهما إلى الله سبحانه ، والتجاوز الغفران ، وأصله من جزت الشيء : إذا لم تقف عليه ، ومعنى في أصحاب الجنة أنهم كائنون في عدادهم منتظمون في سلكهم ، فالجار والمجرور في محل النصب على الحال كقولك : أكرمني الأمير في أصحابه : أي : كائنا في جملتهم ، وقيل : إن " في " بمعنى مع : أي : مع أصحاب الجنة ، وقيل : إنهما خبر مبتدأ محذوف : أي : هم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ( وعد الصدق ) مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة ؛ لأن قوله : أولئك الذين نتقبل عنهم إلخ ، في معنى الوعد بالتقبل ، والتجاوز ، ويجوز أن يكون مصدرا لفعل محذوف أي : وعدهم الله وعد الصدق الذي كانوا يوعدون به على ألسن الرسل في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 1365 ] وقد أخرج أبو يعلى ، وابن جرير ، والطبراني ، والحاكم ، وصححه عن عوف بن مالك الأشجعي قال : انطلق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم ، فكرهوا دخولنا عليهم ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : يا معشر اليهود ، أروني اثني عشر رجلا منكم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يحط الله تعالى عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه . فسكتوا فما أجابه منهم أحد ، ثم رد عليهم فلم يجبه أحد ثلاثا ، فقال : أبيتم ؟ فوالله لأنا الحاشر ، وأنا العاقب ، وأنا المقفي ، آمنتم أو كذبتم ، ثم انصرف وأنا معه حتى كدنا أن نخرج ، فإذا رجل من خلفه فقال : كما أنت يا محمد ، فأقبل ، فقال ذلك الرجل : أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود ، فقالوا ، والله ما نعلم فينا رجلا أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك ، ولا من أبيك ، ولا من جدك ، قال : فإني أشهد بالله أنه النبي الذي تجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل ، قالوا : كذبت ، ثم ردوا عليه ، وقالوا شرا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : كذبتم لن يقبل منكم قولكم ، فخرجنا ، ونحن ثلاثة ، رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأنا ، وابن سلام ، فأنزل الله قل أرأيتم إن كان من عند الله إلى قوله : لا يهدي القوم الظالمين وصححه السيوطي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص قال : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام ، وفيه نزلت وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي ، وابن جرير ، وابن مردويه ، عن عبد الله بن سلام قال : نزل في آيات من كتاب الله نزلت في وشهد شاهد من بني إسرائيل ونزل في قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس وشهد شاهد من بني إسرائيل قال : عبد الله بن سلام . وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين .

                                                                                                                                                                                                                                      وفيه دليل على أن هذه الآية مدنية فيخصص بها عموم قولهم إن سورة الأحقاف كلها مكية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة ، قال : قال ناس من المشركين نحن أعز ونحن ونحن ، فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان ، وفلان ، فنزل وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، عن عون بن أبي شداد قال : كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله : يقال لها زنيرة ، وكان عمر يضربها على الإسلام ، وكان كفار قريش يقولون : لو كان خيرا ما سبقتنا إليه زنيرة ، فأنزل الله في شأنها وقال الذين كفروا الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني ، عن سمرة بن جندب أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : 32 بنو غفار ، وأسلم كانوا لكثير من الناس فتنة ، يقولون لو كان خيرا ما جعلهم الله أول الناس فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : نزل قوله : ووصينا الإنسان بوالديه الآية ، إلى قوله : وعد الصدق الذي كانوا يوعدون في أبي بكر الصديق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، عن نافع بن جبير أن ابن عباس أخبره قال : إني لصاحب المرأة التي أتي بها عمر وضعت لستة أشهر ، فأنكر الناس ذلك . فقلت لعمر : لم تظلم ؟ قال : كيف ؟ قلت اقرأ وحمله وفصاله ثلاثون شهرا والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين [ البقرة : 233 ] كم الحول ؟ قال سنة ، قلت : كم السنة ؟ قال اثنا عشر شهرا ، قلت فأربعة وعشرون شهرا حولان كاملان ، ويؤخر الله من الحمل ما شاء ويقدم ما شاء ، فاستراح عمر إلى قولي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عنه أنه كان يقول : إذا ولدت المرأة لتسعة أشهر كفاها من الرضاع أحد وعشرون شهرا ، وإذا ولدت لسبعة أشهر كفاها من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرا ، وإذا وضعت لستة أشهر فحولان كاملان ؛ لأن الله يقول : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال : أنزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني الآية ، فاستجاب الله له فأسلم والداه جميعا وإخوته وولده كلهم ، ونزلت فيه أيضا فأما من أعطى واتقى [ الليل : 5 ] إلى آخر السورة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية