الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
تنبيه

لا يجوز تعدي أمثلة القرآن ; ولذلك أنكر على الحريري في قوله في مقامته الخامسة عشرة : فأدخلني بيتا أحرج من التابوت ، وأوهن من بيت العنكبوت ; فأي معنى أبلغ من معنى أكده الله من ستة أوجه حيث قال : وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ( العنكبوت : 41 ) فأدخل إن ، وبنى أفعل التفضيل ، وبناه من الوهن ، وأضافه إلى الجمع ، وعرف الجمع باللام ، وأتى في خبر إن باللام ، وقد قال تعالى : وإذا قلتم فاعدلوا ( الأنعام : 152 ) ; وكان اللائق بالحريري ألا يتجاوز هذه المبالغة ، وما بعد تمثيل الله تمثيل ، وقول الله أقوم قيل ، وأوضح سبيل ; ولكن قال الله تعالى : إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة ( البقرة : 26 ) وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثالا لما دون ذلك فقال : لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة . وكذلك قول بعضهم :

ولو أن ما بي من جوى وصبابة على جمل لم يبق في النار خالد [ ص: 115 ] غفر الله له ; والله تعالى يقول : ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ( الأعراف : 40 ) فقد جعل ولوج الجمل في السم غاية لنفي دخولهم الجنة ، وتلك غاية لا توجد ، فلا يزال دخولهم الجنة منفيا ، وهذا الشاعر وصف جسمه بالنحول ، بما يناقض الآية .

ومن هذا جرت مناظرة بين أبي العباس أحمد بن سريج ، ومحمد بن داود الظاهري ; قال أبو العباس له : أنت تقول بالظاهر وتنكر القياس ، فما تقول في قول الله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ( الزلزلة : 7 و 8 ) فمن يعمل مثقال نصف ذرة ما حكمه ؟ فسكت محمد طويلا وقال : أبلعني ريقي ; قال له أبو العباس : قد أبلعتك دجلة ، قال أنظرني ساعة ، قال : أنظرتك إلى قيام الساعة ، وافترقا ، ولم يكن بينهما غير ذلك .

وقال بعضهم : وهذا من مغالطات ابن سريج وعدم تصور ابن داود : لأن الذرة ليس لها أبعاض فتمثل بالنصف والربع وغير ذلك من الأجزاء ; ولهذا قال سبحانه : إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( النساء : 40 ) فذكر سبحانه ما لا يتخيل في الوهم أجزاؤه ، ولا يدرك تفرقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية