الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
حذف الأجوبة ويكثر ذلك في جواب لو ولولا ; كقوله تعالى : ولو ترى إذ وقفوا على النار ( الأنعام : 27 ) .

وقوله : ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ( الأنعام : 30 ) .

وقوله : ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ( سبأ : 31 ) .

وقوله : ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم ( الأنفال : 50 ) .

وقوله : ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ( السجدة : 12 ) .

وقوله : ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت ( الأنعام : 93 ) ، تقديره في هذه المواضع : " لرأيت عجبا أو أمرا عظيما ، ولرأيت سوء منقلبهم ، أو لرأيت سوء حالهم " .

والسر في حذفه في هذه المواضع أنها لما ربطت إحدى الجملتين بالأخرى حتى صارا [ ص: 254 ] جملة واحدة ، أوجب ذلك لها فضلا وطولا ; فخفف بالحذف خصوصا مع الدلالة على ذلك .

قالوا : وحذف الجواب يقع في مواقع التفخيم والتعظيم ، ويجوز حذفه لعلم المخاطب ، وإنما يحذف لقصد المبالغة ; لأن السامع مع أقصى تخيله يذهب منه الذهن كل مذهب ، ولو صرح بالجواب لوقف الذهن عند المصرح به فلا يكون له ذلك الوقع ، ومن ثم لا يحسن تقدير الجواب مخصوصا إلا بعد العلم بالسياق ، كما قدر بعض النحويين في قوله تعالى : ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ( الرعد : 31 ) الآية ، فقال : تقديره : " لكان هذا القرآن " .

وحكاه أبو عمرو الزاهد في " الياقوتة " عن ثعلب والمبرد ، وهو مردود ; لأن الآية ما سيقت لتفضيل القرآن ، بل سيقت في معرض ذم الكفار ; بدليل قوله قبلها : إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب ( الرعد : 30 )

وبعدها : أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ( الرعد : 31 ) ، فلو قدر الخبر " لما آمنوا به " لكان أشد .

ونقل الشيخ محيي الدين النووي في كتاب " رءوس المسائل " كون الجواب : " كان هذا القرآن " عن الأكثرين .

وفيه ما ذكرت .

وقيل : تقديره : لو قضيت أنه لا يقرأ القرآن على الجبال إلا سارت ورأوا ذلك ، لما آمنوا .

وقيل : جواب " لو " مقدم معناه : يكفرون بالرحمن ، ولو أن قرآنا سيرت به الجبال .

وهذا قول الفراء .

[ ص: 255 ] وقوله تعالى : ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ( لقمان : 27 ) جواب لو محذوف ، والتقدير : لنفدت هذه الأشياء وما نفدت كلمات الله ، ويحتمل أن يكون " ما نفدت " هو الجواب مبالغة في نفي النفاد ; لأنه إذا كان نفي النفاد لازما على تقدير كون ما في الأرض من شجرة أقلاما والبحر مدادا لكان لزومها على تقدير عدمها أولى .

وقوله تعالى : ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك ( النساء : 113 ) ، فإنه قد قيل : ظاهره نفي وجود الهم منهم بإضلاله ، وهو خلاف الواقع ; فإنهم هموا وردوا القول .

وقيل : قوله : ( لهمت ) ليس جواب " لو " بل هو كلام تقدم على " لو " ، وجوابها مقول على طريق القسم ، وجواب لو محذوف تقديره : لهمت طائفة منهم أن يضلوك ( النساء : 113 ) لولا فضل الله عليك لأضلوك .

وقوله : ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ( يوسف : 24 ) ، أي : همت بمخالطته ، وجواب " لولا " محذوف ; أي : لولا أن رأى برهان ربه لخالطها .

وقيل : لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ; والوقف على هذا ولقد همت به ( يوسف : 24 ) ، والمعنى أنه لم يهم بها .

ذكره أبو البقاء ، والأول للزمخشري .

[ ص: 256 ] ولا يجوز تقديم جواب " لو " عليها ; لأنه في حكم الشرط ، وللشرط صدر الكلام .

وقوله : وإنا إن شاء الله لمهتدون ( البقرة : 70 ) ، جواب الشرط محذوف ; يدل عليه قوله : ( إنا لمهتدون ) ; أي : إن شاء الله اهتدينا ، وقد توسط الشرط هنا بين جزأي الجملة بالجزاء ; لأن التقديم على الشرط ، فيكون دليل الجواب متقدما على الشرط ; والذي حسن تقديم الشرط عليه الاهتمام بتعليق الهداية بمشيئة الله تعالى .

وقوله تعالى : لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ( الأنبياء : 39 ) ، تقديره : لما استعجلوا فقالوا : متى هذا الوعد ؟ وقال الزجاج : تقديره : " لعلموا صدق الوعد " ; لأنهم قالوا : متى هذا الوعد ؟ وجعل الله الساعة موعدهم ، فقال تعالى : بل تأتيهم بغتة ( الأنبياء : 40 ) .

وقيل : تقديره : " لما أقاموا على كفرهم ولندموا أو تابوا " .

وقوله تعالى في سورة التكاثر : لو تعلمون علم اليقين ( التكاثر : 5 ) ، تقديره : لما ألهاكم التكاثر " .

وقيل : تقديره : لشغلكم ذلك عما أنتم فيه .

وقيل : لرجعتم عن كفركم ، أو لتحققتم مصداق ما تحذرونه .

وقوله : قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ( البقرة : 170 ) أي : لا يتبعونهم .

وقوله : إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ( المؤمنون : 114 ) تقديره : " لآمنتم " أو " لما كفرتم " أو " لزهدتم في الدنيا " أو " لتأهبتم للقائنا " .

ونحوه : وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ( القصص : 64 ) ، أي : يهتدون في الدنيا لما رأوا العذاب في الآخرة ، أو لما اتبعوهم .

[ ص: 257 ] وقوله : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ( هود : 80 ) ، قال محمد بن إسحاق : معناه : لو أن لي قوة لحلت بينكم وبين المعصية .

وقوله تعالى : ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت ( سبأ : 51 ) ، أي : رأيت ما يعتبر به عبرة عظيمة .

وقوله تعالى عقب آية اللعان : ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم ( النور : 10 ) ، قال الواحدي : قال الفراء : جواب " لو " محذوف ; لأنه معلوم المعنى ، وكل ما علم فإن العرب تكتفي بترك جوابه ; ألا ترى أن الرجل يشتم الرجل فيقول المشتوم : أما والله لولا أبوك . . .

فيعلم أنك تريد : لشتمتك .

وقال المبرد : تأويله - والله أعلم - : لهلكتم ، أو لم يبق لكم باقية ، أو لم يصلح أمركم ، ونحوه من الوعيد الموجع ، فحذف لأنه لا يشكل .

وقال الزجاج : المعنى لنال الكاذب منكم أمر عظيم ; وهذا أجود مما قدره المبرد .

وكذلك " لولا " التي بعدها في قوله تعالى : ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم ( النور : 20 ) ، جوابها محذوف ; وقدره بعضهم في الأولى : لافتضح فاعل ذلك ، وفي الثانية : لعجل عذاب فاعل ذلك ، وسوغ الحذف طول الكلام بالمعطوف ، والطول داع للحذف .

وقوله : ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ( القصص : 47 ) ، جوابها محذوف ، أي : لولا احتجاجهم بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة .

[ ص: 258 ] وقال مقاتل : تقديره : " لأصابتهم مصيبة " .

وقال الزجاج : لولا ذلك لم يحتج إلى إرسال الرسول ومواترة الاحتجاج .

وقوله : وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ( القصص : 10 ) ، أي : لأبدت .

وقوله تعالى : قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ( الإسراء : 100 ) ، تقديره : لو تملكون تملكون ، فأضمر " تملك " الأولى على شريطة التفسير ، وأبدل من الضمير المتصل ، الذي هو " الواو " ضمير منفصل ، وهو " أنتم " لسقوط ما يتصل به من الكلام فـ " أنتم " فاعل الفعل المضمر ، و " تملكون " تفسيره .

وقال الزمخشري : هذا ما يقتضيه الإعراب ; فأما ما يقتضيه علم البيان ، فهو أن أنتم تملكون فيه دلالة على الاختصاص ، وأن الناس هم المختصون بالشح المتتابع ; وذلك لأن الفعل الأول لما سقط لأجل المفسر برز الكلام في صورة المبتدأ والخبر .

ومن حذف الجواب قوله تعالى : وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ( يس : 45 ) ، أي : أعرضوا ; بدليل قوله بعده : إلا كانوا عنها معرضين ( يس : 46 ) .

وقوله في قصة إبراهيم في الحجر : فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون ( الحجر : 52 ) ، وفي غيرها من السور : قالوا سلاما ( الفرقان : 63 ) ، قال سلام ( الذاريات : 25 ) ، قال الكرماني : لأن هذه السورة متأخرة عن الأولى ، فاكتفى بما في هذه ، ولو ثبت تعدد الوقائع لنزلت على واقعتين .

[ ص: 259 ] وكقوله تعالى : إذا السماء انشقت ( الانشقاق : 1 ) ، قال الزمخشري : في حذف الجواب ، وتقديره مصرح به في سورتي التكوير والانفطار ، وهو قوله : علمت نفس ( التكوير : 14 ) .

وقال في : والسماء ذات البروج ( البروج : 1 ) : الجواب محذوف ; أي : أنهم ملعونون ، يدل عليه قوله : قتل أصحاب الأخدود ( البروج : 4 ) .

وكقوله تعالى : حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ( الزمر : 73 ) ، أي : حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها ، والواو واو حال ، وفي هذا ما حكي أنه اجتمع أبو علي الفارسي مع أبي عبد الله الحسين بن خالويه في مجلس سيف الدولة ، فسئل ابن خالويه عن قوله تعالى : حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ( الزمر : 70 ) في النار بغير واو ، وفي الجنة بالواو ؟ فقال ابن خالويه : هذه الواو تسمى واو الثمانية ; لأن العرب لا تعطف الثمانية إلا بالواو .

قال : فنظر سيف الدولة إلى أبي علي وقال : أحق هذا ؟ فقال أبو علي : لا أقول كما قال ; إنما تركت الواو في النار لأنها مغلقة ، وكان مجيئهم شرطا في فتحها ; فقوله : ( فتحت ) فيه معنى الشرط ، وأما قوله : ( وفتحت ) في الجنة ، فهذه واو الحال ، كأنه قال : جاءوها وهي مفتحة الأبواب ; أو هذه حالها .

وهذا الذي قاله أبو علي هو الصواب ، ويشهد له أمران : أحدهما : أن العادة مطردة شاهدة في إهانة المعذبين بالسجون من إغلاقها حتى يردوا عليها ، وإكرام المنعمين بإعداد فتح الأبواب لهم مبادرة واهتماما .

والثاني : النظير في قوله : جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ( ص : 50 ) .

وللنحويين في الآية ثلاثة أقوال : أحدها : أن الواو زائدة ، والجواب قوله " فتحت " وهؤلاء قسمان : منهم من جعل هذه الواو مع أنها زائدة واو الثمانية ، ومنهم من لم يثبتها .

[ ص: 260 ] والثاني : أن الجواب محذوف عطف عليه قوله : ( وفتحت ) كأنه قال : " حتى إذا جاءوها جاءوها وفتحت " قال الزجاج وغيره : وفي هذا حذف المعطوف وإبقاء المعطوف عليه .

والثالث : أن الجواب محذوف آخر الكلام ; كأنه قال بعد الفراغ : استقروا ، أو خلدوا ، أو استووا ، مما يقتضه المقام ، وليس فيه حذف معطوف .

ويحتمل أن يكون التقدير : إذا جاءوها أذن لهم في دخولها ، وفتحت أبوابها ، المجيء ليس سببا مباشرا للفتح ، بل الإذن في الدخول هو السبب في ذلك .

وكذلك قوله تعالى : وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا أي : رحمهم ثم تاب عليهم ، وهذا التأويل أحسن من القول بزيادة ( ثم ) .

وحذف المعطوف عليه وإبقاء المعطوف سائغ كقوله تعالى : فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا ( الفرقان : 36 ) ، التقدير والله أعلم : فذهبا فبلغا فكذبا فدمرناهم ; لأن المعنى يرشد إلى ذلك .

وكذا قوله تعالى : ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم ( البقرة : 54 ) ، أي : فامتثلتم ، أو فعلتم فتاب عليكم .

وقوله : فلما أسلما وتله للجبين ( الصافات : 103 ) ، أي : رحما وسعدا وتله .

وابن عطية يجعل التقدير : فلما أسلما أسلما ; وهو مشكل .

وقوله : واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا ( الأنبياء : 97 ) ، المعنى : حتى إذا كان ذلك ندم الذين كفروا ولم ينفعهم إيمانهم ; لأنه من الآيات والأشراط .

وقد يجيء في الكلام شرطان : ويحذف جواب أحدهما اكتفاء بالآخر ; كقوله تعالى : [ ص: 261 ] وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام ( الواقعة : 90 - 91 ) فجعل سيبويه الجواب لـ " أما " وأجرى ( إن كان من أصحاب اليمين ) في الاعتراض به مجرى الظرف ; لأن الشرط وإن كان جملة ; فإنه لما لم يقم بنفسه جرى مجرى الجزء الواحد ، ولو كان عنده جملة لما جاز الفصل به بين " أما " وجوابها ; لأنه لا يجوز ، أما زيد فمنطلق ، وذهب الأخفش إلى أن الفاء جواب لهما .

ونظيره : ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم ( الفتح : 25 ) فقوله : لعذبنا ( الفتح : 25 ) جواب لـ " لولا " ، ولـ " لو " جميعا .

واختار ابن مالك قول سيبويه أن الجواب لـ " أما " واستغنى به عن جواب " إن " ; لأن الجواب الأول الشرطين المتواليين في قوله : إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ( هود : 34 ) ونظائره .

فإذا كان أول الشرطين " أما " كانت أحق بذلك لوجهين : أحدهما : أن جوابها إذا انفردت لا يحذف أصلا ، وجواب غيرها إذا انفرد يحذف كثيرا لدليل ، وحذف ما عهد حذفه أولى من حذف ما لم يعهد .

والثاني : أن " أما " قد التزم معها حذف فعل الشرط ، وقامت هي مقامه ، فلو حذف جوابها لكان ذلك إجحافا وإن ليست كذلك .

انتهى .

والظاهر أنه لا حذف في الآية الكريمة ، وإنما الشرط الثاني وجوابه جواب الأول ، والمحذوف إنما هو أحد الفاءين .

[ ص: 262 ] وقال الفارسي في قوله تعالى : قل اللهم مالك الملك ( آل عمران : 26 ) الآية : إنه حذف منه : " أعزنا ولا تذلنا " .

وقال في قوله تعالى : فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ( النساء : 62 ) ، تقديره : " فكيف تجدونهم مسرورين أو محزونين ؟ فـ " كيف " في موضع نصب بهذا الفعل المضمر ، وهذا الفعل المضمر قد سد مسد جواب إذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية