الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الثامن

الغلبة والكثرة

كقوله تعالى : فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ( فاطر : 32 ) قدم الظالم لكثرته ، ثم المقتصد ، ثم السابق .

وقوله : فمنهم شقي وسعيد ( هود : 105 ) .

منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ( آل عمران : 152 ) .

الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين ( النور : 26 ) .

وجعل منه الزمخشري : فمنكم كافر ومنكم مؤمن ( التغابن : 2 ) يعني بدليل قوله تعالى : وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ( يوسف : 103 ) وحديث بعث النار .

وأما قوله : فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا ( آل عمران : 56 ) قدم ذكر العذاب لكون الكلام مع اليهود الذين كفروا بعيسى وراموا قتله ، ولأن ما قبله من ذكر حكمه ، فقال نبيهم هو على سبيل التهديد والوعيد لهم فناب العداة منهم .

وجعل من هذا النوع قوله تعالى : والسارق والسارقة ( المائدة : 38 ) لأن السرقة في الذكور أكثر .

وقدم في الزنى المرأة في قوله : الزانية والزاني ( النور : 2 ) لأن الزنا فيهن [ ص: 331 ] أكثر . وأما قوله : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ( النور : 3 ) فقال الزمخشري : سيقت الآية التي قبلها لعقوبتهما على ما جنيا ، والمرأة هي المادة التي نشأت منها الجناية ؛ لأنها لو لم تطمع الرجل وتمكنه لم يطمع ولم يتمكن ، فلما كانت أصلا وأولا في ذلك بدأ بذكرها ، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح ، والرجل أصل فيه ؛ لأنه هو الراغب والخاطب ومنه يبدأ الطلب .

ومنه قوله تعالى : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ( النور : 30 ) قال الزمخشري : " قدم غض البصر لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور والبلوى به أشد وأكثر ، ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه " .

ومنه تقديم الرحمة على العذاب حيث وقع في القرآن ، ولهذا ورد : إن رحمتي غلبت غضبي .

وأما تقديم التعذيب على المغفرة في آية المائدة فللسياق ؛ لأنه قوبل بذكر تقدم السرقة على التوبة .

ومنه قوله تعالى : إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم ( التغابن : 14 ) قال ابن الحاجب في " أماليه " إنما قدم الأزواج لأن المقصود الإخبار أن فيهم أعداء ، ووقوع [ ص: 232 ] ذلك في الأزواج أقعد منه في الأولاد ؛ فكان أقعد في المعنى المراد فقدم ، ولذلك قدمت الأموال في قوله : إنما أموالكم وأولادكم فتنة ( التغابن : 15 ) لأن الأموال لا تكاد تفارقها الفتنة : إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ( العلق : 6 - 7 ) أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ( الإسراء : 16 ) وليست الأولاد في استلزام الفتنة مثلها ، وكان تقدمها أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية