الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
التاسع

سبق ما يقتضي تقديمه

وهو دلالة السياق ؛ كقوله تعالى : ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ( النحل : 6 ) لما كان إسراحها وهي خماص ، وإراحتها وهي بطان ، قدم الإراحة ؛ لأن الجمال بها حينئذ أفخر .

وقوله : وجعلناها وابنها آية للعالمين ( الأنبياء : 91 ) لأن السياق في ذكر مريم في قوله تعالى : والتي أحصنت فرجها ( الأنبياء : 91 ) ولذلك قدم الابن في غير هذا المكان . قال تعالى : وجعلنا ابن مريم وأمه آية ( المؤمنون : 50 ) .

وقوله : ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ( الأنبياء : 79 ) فإنه قدم الحكم مع أن العلم لا بد من سبقه للحكم ؛ ولكن لما كان السياق في الحكم قدمه ، قال تعالى : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ( الأنبياء : 78 ) ويحتمل أن يكون المراد بالحكم الحكمة ، وبها فسر الزمخشري قوله تعالى في سورة يوسف : ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما ( يوسف : 22 ) وأما تقديم ( الحكيم ) على ( العليم ) في سورة الأنعام ، فلأنه مقام تشريع الأحكام ، وأما في أول سورة يوسف فقدم ( العليم ) على ( الحكيم ) ، لقوله في آخرها : وعلمتني من تأويل الأحاديث ( يوسف : 101 ) .

[ ص: 333 ] ومنه تقديم المحو على الإثبات في قوله تعالى : يمحوا الله ما يشاء ويثبت ( الرعد : 39 ) فإن قبله : لكل أجل كتاب ( الرعد : 38 ) ويمكن أن يقال : ما يقع عليه المحو أقل مما يقع عليه غيره ، ولا سيما على قراءة التشديد " يثبت " فإنها ناصة على الكثرة ، والمراد به الاستمرار لا الاستئناف .

وقوله : ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته ( الشورى : 24 ) .

ومنه قوله تعالى : ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا ( الرعد : 38 ) قدم ( رسلا ) هنا على " من قبلك " وفي غير هذه بالعكس ؛ لأن السياق هنا في الرسل .

ومنه قوله تعالى : والله يقبض ويبسط ( البقرة : 245 ) قدم القبض لأن قبله : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ( البقرة : 245 ) وكان هذا بسطا ، فلا يناسب تلاوة البسط ، فقدم القبض لهذا وللترغيب في الإنفاق ؛ لأن الممتنع منه سببه خوف القلة ، فبين أن هذا لا ينجيه ، فإن القبض مقدر ولا بد .

التالي السابق


الخدمات العلمية