الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
السابع عشر

الترقي

كقوله تعالى : ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها ( الأعراف : 195 ) الآية ، فإنه سبحانه بدأ منها بالأدنى لغرض الترقي ؛ لأن منفعة الوصف الرابع أهم من منفعة الثالث ، فهو أشرف منه ، ومنفعة الثالث أعم من منفعة الثاني ، ومنفعة الثاني أعم من منفعة الأول ، فهو أشرف منه .

وقد قرن السمع بالعقل ولم يقرن به البصر في قوله : ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون ( يونس : 42 - 43 ) وما قرن بالأشرف كان أشرف ، وحكي ذلك عن علي بن عيسى الربعي .

قال الشيخ أبو الفتح القشيري :

فإن قيل : قد كان الأولى أن يقدم الوصف الأعلى ، ثم ما دونه ، حتى ينتهي إلى [ ص: 341 ] أضعفها ؛ لأنه إذا بدأ بسلب الوصف الأعلى ، ثم بسلب ما دونه ، كان ذلك أبلغ في الذم ؛ لأنه لا يلزم من سلب الأعلى سلب ما دونه ، كما تقول : ليس زيد بسلطان ، ولا وزير ، ولا أمير ، ولا وال . والغرض من الآية المبالغة في الذم .

قلت : ما ذكرته طريق حسنة في علم المعاني ، والمقصود من الآية طريقة أخرى ، وهي أنه تعالى أثبت أن الأصنام التي تعبدها الكفار أمثال الكفار ، في أنها مقهورة مربوبة ، ثم حطها عن درجة المثلية بنفي هذه الصفات الثابتة للكفار عنها ، وقد علمت أن المماثلة بين الذوات المتنائية إنما تكون باعتبار الصفات الجامعة بينها ؛ إذ هي أسباب في ثبوت المماثلة بينها ، وتقوى المماثلة بقوة أسبابها ، وتضعف بضعفها ، فإذا سلب وصف ثابت لإحدى الذاتين عن الأخرى انتفى وجه من المماثلة بينهما ، ثم إذا سلب وصف من الأول انتفى وجه من المماثلة أقوى من الأول ، ثم لا يزال يسلب أسباب المماثلة ، أقواها فأقواها ، حتى تنتفي المماثلة كلها بهذا التدريج . وهذه الطريقة ألطف من سلب أسباب المماثلة ؛ أقواها ثم أضعفها فأضعفها .

التالي السابق


الخدمات العلمية