الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قاعدة : إذا اجتمع في الضمائر مراعاة اللفظ والمعنى بدئ باللفظ ثم بالمعنى ، هذا هو الجادة في القرآن ، قال تعالى : ( ومن الناس من يقول ) ثم قال : وما هم بمؤمنين [ البقرة : 8 ] أفرد أولا باعتبار اللفظ ثم جمع باعتبار المعنى . وكذا : ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم [ الأنعام : 25 ] . ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا [ التوبة : 49 ] .

قال الشيخ علم الدين العراقي : ولم يجئ في القرآن البداءة بالحمل على المعنى إلا في موضع واحد ; وهو قوله : وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا [ الأنعام : 139 ] فأنث ( خالصا ) حملا على معنى ( ما ) ثم راعى اللفظ ، فذكر فقال : ( محرم ) . انتهى .

قال ابن الحاجب في أماليه : إذا حمل على اللفظ جاز الحمل بعده على المعنى ، وإذا حمل على المعنى ضعف الحمل بعده على اللفظ ; لأن المعنى أقوى ، فلا يبعد الرجوع إليه بعد اعتبار اللفظ ، ويضعف بعد اعتبار المعنى القوي الرجوع إلى الأضعف .

وقال ابن جني في " المحتسب " لا يجوز مراجعة اللفظ بعد انصرافه عنه إلى المعنى ، وأورد عليه قوله تعالى : ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ثم قال حتى إذا جاءنا [ الزخرف : 36 - 38 ] فقد راجع اللفظ بعد الانصراف عنه إلى المعنى .

وقال محمود بن حمزة في كتاب " العجائب " : ذهب بعض النحويين إلى أنه لا يجوز الحمل على اللفظ بعد الحمل على المعنى ، وقد جاء في القرآن بخلاف ذلك وهو قوله : خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا [ الطلاق : 11 ] ، قال ابن خالويه في كتاب ( ليس ) : القاعدة في ( من ) ونحوه الرجوع من اللفظ إلى المعنى ، ومن الواحد إلى الجمع ، ومن المذكر إلى المؤنث ، نحو : ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا [ الأحزاب : 31 ] . من أسلم وجهه لله إلى قوله : ولا خوف عليهم [ البقرة : 112 ] ، أجمع على هذا النحويون .

قال : وليس في كلام العرب ولا في شيء من العربية الرجوع من المعنى إلى اللفظ إلا في حرف واحد استخرجه ابن مجاهد ، وهو قوله تعالى : ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين [ الطلاق : 11 ] الآية ، وحد في ( يؤمن ) و ( يعمل ) و ( يدخله ) ، ثم جمع في قوله : ( خالدين ) ثم وحد في قوله : أحسن الله له رزقا [ الطلاق : 11 ] فرجع بعد الجمع إلى التوحيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية