الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 581 ] ومن ذلك ( الإعطاء والإيتاء ) قال الخوبي : لا يكاد اللغويون يفرقون بينهما وظهر لي بينهما فرق ينبئ عن بلاغة كتاب الله ، وهو أن الإيتاء أقوى من الإعطاء في إثبات مفعوله ; لأن الإعطاء له مطاوع ، تقول أعطاني فعطوت ، ولا يقال في الإيتاء : آتاني فأتيت ، وإنما يقال : آتاني فأخذت . والفعل الذي له مطاوع أضعف في إثبات مفعوله من الفعل الذي لا مطاوع له لأنك تقول : قطعته فانقطع ، فيدل على أن فعل الفاعل كان موقوفا على قبول في المحل ، لولاه ما ثبت المفعول ، ولهذا يصح قطعته فما انقطع ، ولا يصح فيما لا مطاوع له ذلك ، فلا يجوز ضربته فانضرب ، أو فما انضرب ، ولا قتلته فانقتل ، ولا فما انقتل ; لأن هذه أفعال إذا صدرت من الفاعل ثبت لها المفعول في المحل ، والفاعل مستقل بالأفعال التي لا مطاوع لها ، فالإيتاء أقوى من الإعطاء .

قال : وقد تفكرت في مواضع من القرآن فوجدت ذلك مراعى ، قال تعالى : تؤتي الملك من تشاء [ آل عمران : 26 ] ; لأن الملك شيء عظيم لا يعطاه إلا من له قوة ، وكذا يؤتي الحكمة من يشاء [ البقرة : 269 ] . آتيناك سبعا من المثاني [ الحجر : 87 ] لعظم القرآن وشأنه .

وقال إنا أعطيناك الكوثر [ الكوثر : 1 ] : لأنه مورود في الموقف مرتحل عنه ، قريب إلى منازل العز في الجنة ، فعبر فيه بالإعطاء ; لأنه يترك عن قرب وينتقل إلى ما هو أعظم منه .

وكذا : يعطيك ربك فترضى [ الضحى : 5 ] ، لما فيه من تكرير الإعطاء والزيادة إلى أن يرضى كل الرضا ; وهو مفسر - أيضا - بالشفاعة ، وهي نظير الكوثر في الانتقال بعد قضاء الحاجة منه .

وكذا : أعطى كل شيء خلقه [ طه : 50 ] لتكرر حدوث ذلك باعتبار الموجودات .

حتى يعطوا الجزية [ التوبة : 29 ] ; لأنها موقوفة على قبول منا ، وإنما يعطونها عن كره .

فائدة : قال الراغب : خص دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء ، نحو : وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة [ البقرة : 277 ] . وأقام الصلاة وآتى الزكاة [ البقرة : 177 ] .

قال : وكل موضع ذكر في وصف الكتاب ( آتينا ) فهو أبلغ من كل موضع ذكر فيه [ ص: 582 ] ( أوتوا ) ; لأن ( أوتوا ) قد يقال إذا أوتي من لم يكن منه قبول ، و ( آتيناهم ) يقال فيمن كان منه قبول .

التالي السابق


الخدمات العلمية