الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل :

في أنواع مختلف في عدها من المجاز وهي ستة :

أحدها : الحذف ، فالمشهور أنه من المجاز ، وأنكره بعضهم لأن المجاز استعمال [ ص: 42 ] اللفظ في غير موضوعه ، والحذف ليس كذلك . وقال ابن عطية : حذف المضاف هو عين المجاز ومعظمه ، وليس كل حذف مجازا .

وقال القرافي : الحذف أربعة أقسام :

قسم يتوقف عليه صحة اللفظ ومعناه من حيث الإسناد ، نحو : واسأل القرية [ يوسف : 82 ] ؛ أي : أهلها ؛ إذ لا يصح إسناد السؤال إليها .

وقسم يصح بدونه لكن يتوقف عليه شرعا كقوله : فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر [ البقرة : 184 ] ؛ أي : فأفطر فعدة .

وقسم يتوقف عليه عادة لا شرعا ، نحو : أن اضرب بعصاك البحر فانفلق [ الشعراء : 63 ] ؛ أي : فضربه .

وقسم يدل عليه دليل غير شرعي ولا هو عادة ، نحو : فقبضت قبضة من أثر الرسول [ طه : 96 ] ، دل الدليل على أنه إنما قبض من أثر حافر فرس الرسول ، وليس في هذه الأقسام مجاز إلا الأول .

وقال الزنجاني في المعيار : إنما يكون مجازا إذا تغير حكم ، فأما إذا لم يتغير كحذف خبر المبتدإ المعطوف على جملة فليس مجازا ، إذ لم يتغير حكم ما بقي من الكلام .

وقال القزويني في الإيضاح : متى تغير إعراب الكلمة بحذف أو زيادة فهي مجاز ، نحو : واسأل القرية [ يوسف : 82 ] ، ليس كمثله شيء [ الشورى : 110 ] ، فإن كان الحذف أو الزيادة لا يوجب تغير الإعراب ، نحو : أو كصيب [ البقرة : 19 ] ، فبما رحمة [ آل عمران : 159 ] ، فلا توصف الكلمة بالمجاز .

الثاني : التأكيد ، زعم قوم أنه مجاز لأنه لا يفيد إلا ما أفاده الأول ، والصحيح أنه حقيقة .

قال الطرطوشي في العمدة : ومن سماه مجازا قلنا له : إذا كان التأكيد بلفظ الأول ، نحو : ( عجل عجل ) ونحوه ، فإن جاز أن يكون الثاني مجازا جاز في الأول ؛ لأنهما في لفظ واحد . وإذا بطل حمل الأول على المجاز بطل حمل الثاني عليه لأنه مثل الأول .

[ ص: 43 ] الثالث : التشبيه ، زعم قوم أنه مجاز والصحيح أنه حقيقة .

قال الزنجاني في المعيار : لأنه معنى من المعاني ، وله ألفاظ تدل عليه وضعا فليس فيه نقل اللفظ عن موضوعه .

وقال الشيخ عز الدين : إن كان بحرف فهو حقيقة أو بحذفه فمجاز بناء على أن الحذف من باب المجاز .

الرابع : الكناية ، وفيها أربعة مذاهب .

أحدها : أنها حقيقة ، قال ابن عبد السلام : وهو الظاهر لأنها استعملت فيما وضعت له ، وأريد بها الدلالة على غيره .

الثاني : أنها مجاز .

الثالث : أنها لا حقيقة ولا مجاز ، وإليه ذهب صاحب التلخيص لمنعه في المجاز أن يراد المعنى الحقيقي مع المجازي وتجويزه ذلك فيها .

الرابع : وهو اختيار الشيخ تقي الدين السبكي أنها تنقسم إلى حقيقة ومجاز ، فإن استعملت اللفظ في معناه مرادا منه لازم المعنى أيضا فهو حقيقة ، وإن لم يرد المعنى بل عبر بالملزوم عن اللازم فهو مجاز لاستعماله في غير ما وضع له .

والحاصل أن الحقيقة منها أن يستعمل اللفظ فيما وضع له ليفيد غير ما وضع له ، والمجاز منها : أن يريد به غير موضوعه استعمالا وإفادة .

الخامس : التقديم والتأخير ، عده قوم من المجاز; لأن تقديم ما رتبته التأخير كالمفعول وتأخير ما رتبته التقديم كالفاعل نقل لكل واحد منهما عن مرتبته وحقه .

قال في البرهان : والصحيح أنه ليس منه ، فإن المجاز نقل ما وضع إلى ما لم يوضع له .

[ ص: 44 ] السادس : الالتفات : قال الشيخ بهاء الدين السبكي : لم أر من ذكر هل هو حقيقة أو مجاز ؟ قال : وهو حقيقة حيث لم يكن معه تجريد .

فصل فيما يوصف بأنه حقيقة ومجاز باعتبارين .

هو الموضوعات الشرعية كالصلاة والزكاة والصوم والحج ، فإنها حقائق بالنظر إلى الشرع مجازات بالنظر إلى اللغة .

فصل في الواسطة بين الحقيقة والمجاز .

قيل بها في ثلاثة أشياء :

أحدها : اللفظ قبل الاستعمال ، وهذا القسم مفقود في القرآن ، ويمكن أن يكون منه أوائل السور على القول بأنها للإشارة إلى الحروف التي يتركب منها الكلام .

ثانيا : الأعلام .

ثالثها : اللفظ المستعمل في المشاكلة ، نحو : ومكروا ومكر الله [ آل عمران : 54 ] ، وجزاء سيئة سيئة مثلها [ الشورى : 40 ] ، ذكر بعضهم أنه واسطة بين الحقيقة والمجاز .

قال : لأنه لم يوضع لما استعمل فيه ، فليس حقيقة ، ولا علاقة معتبرة فليس مجازا ، كذا في شرح بديعية ابن جابر لرفيقه .

قلت : والذي يظهر أنها مجاز والعلاقة المصاحبة .

خاتمة : لهم مجاز المجاز ، وهو أن يجعل المجاز المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة إلى مجاز آخر ، فيتجوز بالمجاز الأول عن الثاني لعلاقة بينهما كقوله تعالى : ولكن لا تواعدوهن سرا [ البقرة : 235 ] ، فإنه مجاز عن مجاز ، فإن الوطء تجوز عنه بالسر لكونه لا يقع غالبا إلا في السر ، وتجوز به عن العقد لأنه مسبب عنه ، فالمصحح للمجاز الأول الملازمة ، والثاني السببية ، والمعنى : لا تواعدوهن عقد نكاح .

وكذا قوله ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله [ المائدة : 5 ] ، فإن قوله لا إله إلا الله [ الصافات : 35 ] مجاز عن تصديق القلب بمدلول هذا اللفظ ، والعلاقة السببية ؛ لأن توحيد اللسان مسبب عن توحيد الجنان ، والتعبير ب ( لا إله إلا الله ) عن الوحدانية من مجاز التعبير بالقول عن المقول فيه .

وجعل منه ابن السيد قوله : أنزلنا عليكم لباسا [ الأعراف : 26 ] ، فإن المنزل عليهم ليس هو نفس اللباس ، بل الماء المنبت للزرع المتخذ منه الغزل المنسوج منه اللباس .

التالي السابق


الخدمات العلمية