الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          مسألة ( ولله الأسماء الحسنى ) ونحوه يصح فيه عشرة أوجه ، وهي الوجهان المذكوران من النقل والسكت في تلك الخمسة المتقدمة في الهمزة المتطرفة المضمومة ، وهي البدل مع المد والتوسط والقصر ، والروم بالتسهيل مع المد والقصر ، ويمتنع وجه عدم السكت وعدم النقل كما قدمنا آنفا ؛ لعدم صحته رواية .

                                                          ومن المتوسط بزائد مسألة ( هؤلاء ) ففي الأولى التحقيق وبين بين مع المد والقصر ، وفي الثانية الإبدال بثلاثة والروم بوجهين صارت خمسة عشر ، لكن يمتنع منه وجهان في وجه بين بين ، وهما مد الأولى وقصر الثانية وعكسه ؛ لتصادم المذهبين ، وذكر في الأولى الإبدال بواو على اتباع الرسم مع المد والقصر ، فتضرب في الخمسة فتبلغ خمسة وعشرين ، ولا يصح .

                                                          ومما اجتمع فيه متوسط بزائد وبغير زائد مسألة ( قل اونبيكم ) في آل عمران فيها ثلاث همزات ( الأولى ) بعد ساكن صحيح منفصل ، وهو اللام والثانية متوسطة بزائد وهي مضمومة بعد فتح ( والثالثة ) متوسطة بنفسها وهي مضمومة بعد كسر ، ففي الأولى التحقيق والتسهيل ، فإذا حققت فيجيء في الساكن قبلها السكت وعدمه ، وإذا سهلت فالنقل ، وفي الهمزة الثانية التحقيق والتسهيل ، وتسهيلها بين بين فقط ، وفي الثالثة التسهيل على مذهب سيبويه بين الهمزة والواو ، وعلى مذهب الأخفش بياء محضة ، فيجوز فيها حينئذ عشرة أوجه .

                                                          ( الأول ) السكت مع تحقيق الثانية المضمومة مع تسهيل الثالثة بين بين ، وهذا الوجه لحمزة بكماله في " العنوان " ، ولخلف عنه في " الكافي " ، و " الشاطبية " ، و " التيسير " ، وطريق أبي الفتح فارس ، عنه .

                                                          ( الثاني ) مثله مع إبدال الثالثة ياء مضمومة على ما ذكر من مذهب الأخفش ، وهو اختيار الحافظ أبو العلاء الداني في وجه السكت ، وفي " الشاطبية " ، و " التيسير " لخلف .

                                                          ( الثالث ) عدم السكت على اللام مع تحقيق الهمزة الأولى [ ص: 488 ] والثانية ، وتسهيل الثالثة بين بين ، وهو في " الهداية " ، و " التذكرة " لحمزة ، وهو لخلاد في " التبصرة " ، و " الكافي " و " الشاطبية " ، و " التيسير " ، و " تلخيص " ابن بليمة ( الرابع ) مثله مع إبدال الثالثة ياء ، وهو في " الشاطبية " ، و " التيسير " لخلاد ، واختيار الداني في وجه عدم السكت .

                                                          ( الخامس ) السكت على اللام مع تسهيل الهمزة الثانية بين بين ، وهو في " التجريد " لحمزة وطريق أبي الفتح لخلف ، عن حمزة ، وكذا في " الشاطبية " ، و " التيسير " .

                                                          ( السادس ) مثله مع إبدال الثالثة ياء وهو اختيار الداني في وجه السكت أيضا ، وفي الشاطبية والتيسير لخلف .

                                                          ( السابع ) عدم السكت مع تسهيل الثانية والثالثة بين بين ، وهو اختيار صاحب الهداية لحمزة وفي تلخيص ابن بليمة وطريق أبي الفتح لخلاد ، وفي " الشاطبية " ، و " التيسير " .

                                                          ( الثامن ) مثله مع إبدال الثالثة ياء ، وهو اختيار الداني في وجه عدم السكت وفي " الشاطبية " و " التيسير " .

                                                          ( التاسع ) النقل مع تسهيل الثانية والثالثة بين بين ، وهو في " الروضة " ، والشاطبية " ، ومذهب جمهور العراقيين .

                                                          ( العاشر ) مثله مع إبدال الثالثة ياء ، وهو في " الكفاية الكبرى " وغاية أبي العلاء ، وحكاه أبو العز ، عن أهل واسط وبغداد ، ولا يصح فيها غير ما ذكرت . وقد أجاز الجعبري وغيره من المتأخرين فيها سبعة وعشرين وجها باعتبار الضرب ، فقالوا في الأولى : النقل والسكت وعدمه هذه ثلاثة ، وفي الثانية التحقيق بين بين ، والواو اتباعا للرسم ، وهذه ثلاثة ، وفي الثالثة التسهيل كالواو وإبدالها ياء وتسهيلها كالياء على ما ذكر من مذهب الأخفش فنضرب الثلاثة الأولى في الثلاثة الثانية بنسبة التسعة في الثلاثة الأخرى بسبعة وعشرين ، وقد ذكر أبو العباس أحمد بن يوسف النحوي المعروف بالسمين في شرحه للشاطبية ونقله عن صاحبه الشيخ أبي علي الحسن ابن أم قاسم حيث نظمه فقال :


                                                          سبع وعشرون وجها قل لحمزة في قل أونبيكم يا صاح إن وقفا     فالنقل والسكت في الأولى وتركهما
                                                          وأعط ثانية حكما لها ألفا      [ ص: 489 ] واوا وكالواو أو حقق وثالثة
                                                          كالواو أو يا وكاليا ليس فيه خفا     واضرب يبن لك ما قدمت متضحا
                                                          وبالإشارة استغنى وقد عرفا

                                                          لا يصح منها سوى العشرة المتقدمة ، فإن التسعة التي مع تسهيل الأخيرة كالياء ، وهو الوجه المعضل ، لا يصح كما قدمنا ، وإبدال الثانية واوا محضة على ما ذكر من اتباع الرسم في السنة لا يجوز ، والنقل في الأولى مع تحقيق الثانية بالوجهين لا يوافق ، قال أبو شامة : نص ابن مهران فيها على ثلاثة أوجه : أحدها أن يخفف الثلاثة الأولى بالنقل ، والثانية والثالثة بين بين ( والثاني ) تخفف الثالثة فقط ، وذلك على رأى من لا يرى تخفيف المبتدأة ولا يعتد بالزائد ( والثالث ) تخفيف الأخيرتين فقط اعتدادا بالزائد وإعراضا عن المتبدأة ، قال : وكان يحتمل وجها رابعا ، وهو تخفيف الأولى والأخيرة دون الثانية لولا أن من خفف الأولى يلزمه أن يخفف الثانية بطريق الأولى ؛ لأنها متوسطة صورة ، فهي أحرى بذلك من المبتدأة . انتهى . وهو الذي أردنا بقولنا : والنقل في الأولى مع تحقيق الثانية لا يوافق ، والله أعلم .

                                                          ومن ذلك ( مسألة : قل أأنتم يجيء فيها خمسة أوجه ) : أحدها السكت على اللام مع تسهيل الهمزة الثانية ( والثاني ) كذلك مع تحقيقها ( والثالث ) عدم السكت مع تسهيل الثانية ، ولا يجوز مع التحقيق لما قدمنا ، وذكر فيها ثلاثة أخرى وهي السكت وعدمه ، والنقل مع إبدال الثانية ألفا على ما ذكر في " الكافي " وغيره ، وفيه نظر ، وحكى هذه الثلاثة مع حذف إحدى الهمزتين على صورة اتباع الرسم ولا يصح سوى ما ذكرته أولا .

                                                          ومن المتوسط بغيره بعد ساكن أيضا ( مسألة : قالوا آمنا ) وذكر فيه خمسة أوجه : أحدها التحقيق مع عدم السكت ، وهو مذهب الجمهور ( والثاني ) مع السكت ، وهو مذهب أبي الشذائي . وذكره الهذلي أيضا ، وبه قرأ صاحب " المبهج " على شيخه أبي الفضل صاحب التجريد على شيخه عبد الباقي في رواية خلاد [ ص: 490 ] ( والثالث ) النقل ، وهو مذهب أكثر العراقيين ( والرابع ) الإدغام ، وهو جائز من طرق أكثرهم كما قدمنا من مذاهبهم ( والخامس ) التسهيل بين بين على ما ذكره الحافظ أبو العلاء ، وهو ضعيف وتجيء هذه الخمسة في قوله تعالى : ( من دونه أولياء ) مع الخمسة في الهمزة الأخيرة المضمومة فتبلغ خمسة وعشرين وجها ، إلا أن الإدغام فيها يختار على النقل كما تقدم ، وأكثر القراء لا يرون التسهيل بالروم كما ذكرنا .

                                                          ومن ذلك ( مسألة بني إسرائيل ) وفيها بحكم ما ذكرنا عشرة أوجه وهي الخمسة المذكورة أولا مع تسهيل الهمزة الثانية مدا وقصرا ، وقيل : فيها وجه آخر ، وهو إبدال الهمزة ياء على اتباع الرسم ، وهو شاذ ، فإن ضرب في الخمسة المذكورة صارت خمسة عشر وأشذ منه حذف الهمزة واللفظ بياء واحدة بعد الألف ، مع أنه غير ممكن فيصير عشرين ولا يصح .

                                                          ومن ذلك ( مسألة : بما أنزل ) وفيها ثلاثة أوجه ( الأول ) التحقيق مذهب الجمهور ( والثاني ) بين بين طريق أكثر العراقيين ، ويجوز معه المد والقصر ( والثالث ) السكت مع التحقيق لمن تقدم آنفا ، وتجيء هذه الأربعة في نحو : ( فلما أضاءت ) مع تسهيل بالمد والقصر ، فتصبح ستة لإخراج المد مع المد والقصر مع القصر ، وتجيء أيضا في ( كلما أضاء ) مع ثلاثة الإبدال ، فتبلغ اثنا عشر وتجيء الثلاثة أيضا مع الخمسة الأخيرة من قوله : ( ولا ابنا ) فتبلغ خمسة عشر وجها ، بل عشرين ، لكن يسقط منها وجها التصادم ، فتصبح ثمانية عشر .

                                                          ومن ذلك ( مسألة : فسوف يأتيهم أنباوا ) وفيه باعتبار ما تقدم في ( شركاو ، وفي أموالنا ما نشوا ) أربعة وعشرون وجها وهي مع السكت على الميم اثنا عشر وجها ، المد والتوسط والقصر مع الإبدال ألفا ، والمد والقصر مع الروم ، وهذه الخمسة مع التخفيف القياسي والسبعة الباقية مع اتباع الرسم ، وهي المد والتوسط والقصر مع إسكان الواو ، وهذه الثلاثة مع الإشمام والقصر مع الروم .

                                                          [ ص: 491 ] ولو قرئ بالنقل على مذهب من أجازه لجاء أربعة وعشرون أخرى ، وذلك على وجهي فتح الميم وضمها ، أي : حالة النقل كما تقدم ، وكلاهما لا يصح .

                                                          ومن ذلك ( مسألة يشاء إلى ) ونحوه ، وفيه الثلاثة الجائزة لباقي القراءة وصلا وهي : التحقيق مذهب الجمهور ، وبين بين على مذهب أكثر العراقيين ، والياء المحضة على مذهب بعضهم ، وتجري هذه الثلاثة في عكسه في نحو ( في الأرض أمما ) وتجيء نحو ( في الكتاب أولئك ) ستة أوجه ، وهي الثلاثة ، وهي تسهيل الهمزة نحو ( في الكتاب أولئك ) ستة أوجه وهي هذه الثلاثة ، وهي تسهيل الهمزة المكسورة مع المد والقصر ، فقس على هذه المسائل ما وقع في نظيرها ، والله الموفق .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية