الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  9782 عبد الرزاق ، عن يحيى بن العلاء البجلي ، عن عمه شعيب بن خالد ، عن حنظلة بن سمرة بن المسيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس قال : كانت فاطمة تذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يذكرها أحد إلا صد عنه حتى يئسوا منها ، فلقي سعد بن معاذ عليا فقال : إني والله ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبسها إلا عليك قال : فقال له علي : لم ترى ذلك ؟ قال : فوالله ما أنا بواحد من الرجلين : ما أنا بصاحب دنيا يلتمس ما عندي ، وقد علم مالي صفراء ولا بيضاء ، ولا أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه - يعني يتألفه بها - إني لأول من أسلم فقال سعد : فإني أعزم عليك لتفرجنها عني ، فإن في ذلك فرجا قال : فأقول ماذا ؟ قال : تقول جئت خاطبا إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم قال : فانطلق علي فعرض على [ ص: 487 ] النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بنفل حصر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كأن لك حاجة يا علي ؟ " قال : أجل ، جئت خاطبا إلى الله ورسوله فاطمة ابنة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " مرحبا " - كلمة ضعيفة - ثم رجع علي إلى سعد بن معاذ فقال له : ما فعلت ؟ قال : فعلت الذي أمرتني به ، فلم يزد على أن رحب بي كلمة ضعيفة ، فقال سعد : أنكحك والذي بعثه بالحق ، إنه لا خلف الآن ولا كذب عنده ، عزمت عليك لتأتينه غدا فتقولن : يا نبي الله ، متى تبنيني ؟ قال علي : هذه أشد من الأولى ، أولا أقول : يا رسول [ الله ] حاجتي ؟ قال : قل كما أمرتك ، فانطلق علي فقال : يا رسول الله متى تبنيني ؟ قال : " الثالثة إن شاء الله " ، ثم دعا بلالا ، فقال : " يا بلال إني زوجت ابنتي ابن عمي ، وأنا أحب أن يكون من سنة أمتي ، إطعام الطعام عند النكاح ، فأت الغنم فخذ شاة وأربعة أمداد أو خمسة ، فاجعل لي قصعة لعلي أجمع عليها المهاجرين والأنصار ، فإذا فرغت منها فآذني بها " ، فانطلق ففعل ما أمره ، ثم أتاه بقصعة فوضعها بين يديه ، فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رأسها ، ثم قال : " أدخل علي الناس زفة زفة [ ص: 488 ] ولا تغادرن زفة إلى غيرها " - يعني إذا فرغت زفة لم تعد ثانية - فجعل الناس يردون ، كلما فرغت زفة وردت أخرى ، حتى فرغ الناس ، ثم عمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما فضل منها ، فتفل فيه وبارك وقال : " يابلال احملها إلى أمهاتك ، وقل لهن : كلن وأطعمن من غشيكن " ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قام حتى دخل على النساء فقال : " إني قد زوجت ابنتي ابن عمي ، وقد علمتن منزلتها مني ، وإني دافعها إليه الآن إن شاء الله ، فدونكن ابنتكن " فقام النساء فغلفنها من طيبهن وحليهن ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل ، فلما رآه النساء ذهبن وبينهن وبين النبي صلى الله عليه وسلم سترة ، وتخلفت أسماء بنت عميس ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم . . . . . : " على رسلك من أنت ؟ " قالت : أنا الذي حرس ابنتك ، فإن الفتاة ليلة يبنى بها لا بد لها من امرأة تكون قريبا منها ، إن عرضت لها حاجة ، وإن أرادت شيئا أفضت بذلك إليها قال : " فإني أسأل إلهي أن يحرسك من بين يديك ، ومن خلفك ، وعن يمينك ، وعن شمالك من الشيطان الرجيم " ثم صرخ بفاطمة فأقبلت ، فلما رأت عليا جالسا إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم خفرت وبكت ، فأشفق النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون بكاؤها لأن عليا لا مال له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك ؟ فما ألوتك في نفسي [ ص: 489 ] وقد طلبت لك خير أهلي ، والذي نفسي بيده لقد زوجتكه سعيدا في الدنيا ، وإنه في الآخرة لمن الصالحين " فلازمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ائتيني بالمخضب فامليه ماء " فأتت أسماء بالمخضب ، فملأته ماء ، ثم مج النبي صلى الله عليه وسلم فيه وغسل فيه قدميه ووجهه ، ثم دعا فاطمة فأخذ كفا من ماء فضرب به على رأسها ، وكفا بين ثدييها ، ثم رش جلده وجلدها ، ثم التزمها ، فقال : " اللهم إنها مني وأنا منها ، اللهم كما أذهبت عني الرجس وطهرتني فطهرها " ، ثم دعا بمخضب آخر ، ثم دعا عليا فصنع به كما صنع بها ، ودعا له كما دعا لها ، ثم قال : " أن قوما إلى بيتكما ، جمع الله بينكما ، وبارك في سركما وأصلح بالكما " ، ثم قام فأغلق عليهما بابه بيده .

                                                                  قال ابن عباس : فأخبرتني أسماء بنت عميس أنها رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يدعو لهما خاصة لا يشركهما في دعائه أحدا حتى توارى في حجره
                                                                  .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية