الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            3619 - تقسيم النور على قدر أعمالهم

                                                                                            3620 - ذكر أهل عليين

                                                                                            8789 - أخبرني أبو جعفر محمد بن دحيم الشيباني بالكوفة من أصل كتابه ، ثنا [ ص: 812 ] أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري ، ثنا مالك بن إسماعيل النهدي ، ثنا عبد السلام بن حرب ، ثنا يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني ، ثنا المنهال بن عمرو ، عن أبي عبيدة ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : " يجمع الله الناس يوم القيامة فينادي مناد : يا أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم أن يوالي كل إنسان ما كان يعبد في الدنيا ويتولى ، أليس ذلك عدل من ربكم ؟ قالوا : بلى ، قال : فينطلق كل إنسان منكم إلى ما كان يتولى في الدنيا ويمثل لهم ما كانوا يعبدون في الدنيا ، وقال : يمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ، ويمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير ، حتى يمثل لهم الشجر والعود والحجر ، ويبقى أهل الإسلام جثوما فيقول لهم : ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس ؟ فيقولون : إن لنا ربا ما رأيناه بعد ، قال : فيقول : فبم تعرفون ربكم إن رأيتموه ؟ قالوا : بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه ، قال : وما هي ؟ قالوا : الساق ، فيكشف عن ساق ، قال : فيحني كل من كان لظهر طبق ساجدا ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون ، قال : ثم يؤمرون فيرفعون رءوسهم فيعطون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه ، ومنهم من يعطى نوره دون ذلك ، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه ، ومنهم من يعطى دون ذلك حتى يكون آخر ذلك يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفئ مرة فإذا أضاء قدم قدمه ، وإذا طفئ قام ، فيمرون على الصراط ، والصراط كحد السيف دحض مزلة ، قال : فيقال انجوا على قدر نوركم فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب ، ومنهم من يمر كالطرف ، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يمر كشد الرحل ويرمل رملا فيمرون على قدر أعمالهم ، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه يجر يدا ويعلق يدا ويجر رجلا ويعلق رجلا فتصيب جوانبه النار ، قال : فيخلصون فإذا خلصوا ، قالوا : الحمد لله الذي نجانا منك بعد إذ رأيناك ، فقد أعطانا الله ما لم يعط أحدا ، فينطلقون إلى ضحضاح عند باب الجنة وهو مصفق منزلا في أدنى الجنة ، فيقولون : ربنا أعطنا ذلك المنزل ، قال : فيقول لهم : تسألوني الجنة وهو مصفق وقد أنجيتكم من النار ، هذا الباب لا يسمعون حسيسها ، فيقول لهم : لعلكم إن أعطيتموه أن تسألوني غيره ، قال : فيقولون : لا وعزتك لا نسألك غيره وأي منزل يكون أحسن منه ، قال : فيعطوه فيرفع لهم أمام ذلك منزل آخر كأن الذي أعطوه قبل ذلك حلم عند الذي رأوه ، قال : فيقول لهم : لعلكم إن أعطيتموه أن تسألوني غيره ، فيقولون : لا وعزتك لا [ ص: 813 ] نسألك غيره وأي منزل أحسن منه ؟ فيعطوه ثم يسكتون ، قال : فيقال لهم ، ما لكم لا تسألوني ؟ فيقولون : ربنا قد سألنا حتى استحيينا ، قال : فيقول لهم : ألم ترضوا إن أعطيتكم مثل الدنيا منذ يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافها " قال : قال مسروق : فما بلغ عبد الله هذا المكان من الحديث إلا ضحك ، قال : فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن لقد حدثت بهذا الحديث مرارا فما بلغت هذا المكان من هذا الحديث إلا ضحكت ، قال : فقال عبد الله : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدث بهذا الحديث مرارا فما بلغ هذا المكان من هذا الحديث إلا ضحك حتى تبدو لهواته ويبدو آخر ضرس من أضراسه لقول الإنسان : " أتهزأ بي وأنت الملك ؟ " قال : " فيقول الرب تبارك وتعالى لا ولكني على ذلك قادر فسلوني ، قال : فيقولون : ربنا ألحقنا بالناس فيقول لهم : الحقوا بالناس ، قال : فينطلقون يرملون في الجنة حتى يبدو للرجل منهم قصر من درة مجوفة ، قال : فيخر ساجدا ، قال : فيقال له : ارفع رأسك فيرفع رأسه ، فيقال : إنما هذا منزل من منازلك ، قال : فينطلق فيستقبله رجل فيقول : أنت ملك ؟ فيقال : إنما ذلك قهرمان من قهارمتك عبد من عبيدك ، قال : فيأتيه فيقول : إنما أنا قهرمان من قهارمتك على هذا القصر تحت يدي ألف قهرمان كلهم على ما أنا عليه ، قال : فينطلق به عند ذلك حتى يفتح القصر وهو درة مجوفة سقايفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها ، فيفتح له القصر فيستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء سبعون ذراعا فيها ستون بابا كل باب يفضي إلى جوهرة واحدة على غير لون صاحبتها ، في كل جوهرة سرر وأزواج وتصاريف - أو قال : ووصائف - قال : فيدخل فإذا هو بحوراء عيناء عليها سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء حللها كبدها مرآته وكبده مرآتها ، إذا أعرض عنها إعراضة ازدادت في عينه سبعين ضعفا عما كان قبل ذلك ، فيقول : لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا ، وتقول له مثل ذلك ، قال : فيشرف ببصره على ملكه مسيرة مائة عام " قال : فقال عمر عند ذلك : يا كعب ألا تسمع إلى ما يحدثنا ابن أم عبد عن أدنى أهل الجنة ما له فكيف بأعلاهم ؟ قال : " يا أمير المؤمنين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت إن الله كان فوق العرش والماء فخلق لنفسه دارا بيده فزينها بما شاء وجعل فيها من الثمرات والشراب ، ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه منذ يوم خلقها لا جبريل ولا غيره من الملائكة ، ثم قرأ كعب ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) وخلق دون ذلك جنتين فزينهما بما شاء وجعل فيهما ما ذكر من الحرير والسندس والإستبرق ، وأراهما من شاء من خلقه من الملائكة ، فمن كان كتابه في عليين يرى [ ص: 814 ] في تلك الدار ، فإذا ركب الرجل من أهل عليين في ملكه لم ينزل خيمة من خيام الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه ، حتى إنهم يستنشقون ريحه ويقولون : واها لهذه الريح الطيبة ، ويقولون : لقد أشرف علينا اليوم رجل من أهل عليين " ، فقال عمر : ويحك يا كعب إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها ، فقال كعب : " يا أمير المؤمنين إن لجهنم زفرة ما من ملك مقرب ولا نبي إلا يخر لركبتيه حتى يقول إبراهيم خليل الله : رب نفسي نفسي ، وحتى لو كان لك عمل سبعين نبيا إلى عملك لظننت أن لا تنجو منها .

                                                                                            رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات غير أنهما لم يخرجا أبا خالد الدالاني في الصحيحين لما ذكر من انحرافه عن السنة في ذكر الصحابة فأما الأئمة المتقدمون فكلهم شهدوا لأبي خالد بالصدق والإتقان ، والحديث صحيح ولم يخرجاه وأبو خالد الدالاني ممن يجمع حديثه في أئمة أهل الكوفة .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية