الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أصابته مصيبة فقال كما أمر الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأعقبني خيرا منها إلا فعل الله ذلك به قالت أم سلمة فلما توفي أبو سلمة قلت ذلك ثم قلت ومن خير من أبي سلمة فأعقبها الله رسوله صلى الله عليه وسلم فتزوجها

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          558 560 - ( مالك ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ) فروخ المدني المعروف بربيعة الرأي ، ثقة ، فقيه مشهور ، مات سنة اثنين وثلاثين ومائة على الصحيح ، وقيل سنة ثلاث ، وقال الباجي سنة اثنين وأربعين ( عن أم سلمة ) هند بنت أمية ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم ) تزوجها سنة أربع ، وقيل : ثلاث وماتت سنة اثنين وستين ، وقيل سنة إحدى ، وقيل قبل ذلك ، والأول أصح ، ولم يدركها ربيعة ، ولذا قال أبو عمر : هذا حديث يتصل من وجوه شتى إلا أن بعضهم يجعله لأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم يجعله لأم سلمة عن أبي سلمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أصابته ) وفي رواية لمسلم : " ما من مسلم تصيبه " ( مصيبة ) أي مصيبة كانت لقوله صلى الله عليه وسلم : " كل شيء ساء المؤمن فهو مصيبة " رواه ابن السني ، قال الباجي : هذا اللفظ موضوع في أصل كلام العرب لكل من ناله شر أو خير ، ولكن يختص عرف الاستعمال بالرزايا والمكاره ( فقال كما أمره الله ) بالثناء والتبشير لقائله ، وذلك يقتضي ندبه والمندوب مأمور به على المختار في الأصول ( إنا لله ) ملكا وعبيدا يفعل بنا ما يشاء ( وإنا إليه راجعون ) في الآخرة فيجازينا . وفي مراسيل أبي داود : " إن مصباح النبي صلى الله عليه وسلم طفي فاسترجع ، فقالت [ ص: 115 ] عائشة : إنما هذا مصباح فقال : كل ما ساء المؤمن فهو مصيبة ، وقال الباجي : لم يرد لفظ الأمر بهذا القول في القرآن بل تبشير من قاله والثناء عليه ، فيحتمل أن يشير إلى غير القرآن ، فهو خبر عن الباري بذلك ولذا وصله بقوله : ( اللهم أجرني ) بقصر الهمزة وضم الجيم وسكون الراء ، قال عياض : يقال أجر بالقصر والمد والأكثر أنه مقصور لا يمد أي أعطني أجري وجزاء صبري وهمي ( في مصيبتي وأعقبني ) بسكون العين وكسر القاف ، بمعنى - رواية لمسلم - وأخلف لي بقطع الهمزة وكسر اللام ( خيرا منها إلا فعل الله ذلك به ) ولمسلم : إلا أخلف الله له خيرا منها . وله أيضا إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها . قال أبو عمر : فينبغي لكل من أصيب بمصيبة أن يفزع إلى ذلك تأسيا بكتاب الله وسنة رسوله . قال ابن جريج : ما يمنعه أن يستوجب على الله ثلاث خصال ، كل خصلة منها خير من الدنيا وما فيها ، صلوات الله ورحمته والهدى ، انتهى . وللطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رفعه : " أعطيت أمتي شيئا لم يعطه أحد من الأمم : أن يقولوا عند المصيبة ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) " . ولابن جرير والبيهقي عن سعيد بن جبير : " لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة ما لم يعط الأنبياء مثله : ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ، ولو أعطيه الأنبياء لأعطيه يعقوب ; إذ قال : ( يا أسفى على يوسف ) " .

                                                                                                          وظاهر الأحاديث أن المأمور به قول ذلك مرة واحدة فورا ، وذلك في الموت عند الصدمة الأولى ، وخبر : إذا ذكرها ولو بعد أربعين عاما فاسترجع كان له أجرها يوم وقوعها زيادة فضل لا ينافي الاستحباب بفور وقوع المصيبة .

                                                                                                          ( قالت أم سلمة : فلما توفي أبو سلمة ) عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي ، أخو النبي صلى الله عليه وسلم من رضاع ثويبة ، وابن عمته برة بنت عبد المطلب ، كان من السابقين ، شهد بدرا ، ومات في جمادى الآخرة سنة أربع بعد أحد . وفي مسلم عن أم سلمة : " دخل صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ، وقال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر ، فضج ناس من أهله ، فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ، ثم قال : اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه " ( قلت ذلك ) المذكور من الاسترجاع وما بعده ( ثم قلت : ومن خير من أبي سلمة ) أي قالته في نفسها ولم تحرك به لسانها ولا أنكرت أنه صلى الله عليه وسلم قال حقا ، ولكن هو شيء يخطر بالقلب وليس أحد معصوما منه ، ولو قال ذلك قائل لمنع العوض كما يمنع الذي يعجل بدعائه الإجابة ، قاله أبو عبد الملك . وفي مسلم : فلما مات قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ، أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسوله .

                                                                                                          قال أبو عبد الله الأبي : المعنى بالنسبة إليها فلا [ ص: 116 ] يكون خيرا من أبي بكر وعمر ; لأن الأخير في ذاته قد لا يكون خيرا لها . ويحتمل أن تعني أنه خير مطلقا ، فالإجماع على فضل أبي بكر إنما هو فيمن تأخرت وفاته عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أما من مات في زمنه ففيه خلاف ، انتهى . والأول أولى ، فالخلاف شاذ لا يعتد به ( فأعقبها الله رسوله صلى الله عليه وسلم فتزوجها ) وفي مسلم من طريق شقيق عن أم سلمة : فلما مات أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : إن أبا سلمة قد مات ، قال : قولي اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة ، فقلت فأعقبني الله من هو خير منه محمدا صلى الله عليه وسلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية