الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب الوضوء من المذي

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود أن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه قال علي فإن عندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أستحي أن أسأله قال المقداد فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه بالماء وليتوضأ وضوءه للصلاة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          86 84 13 - باب الوضوء من المذي

                                                                                                          بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء على الأفصح ثم بكسر الذال وشد الياء ثم الكسر مع التخفيف ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع أو إرادته وقد لا يحس بخروجه .

                                                                                                          - ( مالك عن أبي النضر ) بالضاد المعجمة سالم بن أبي أمية مولاهم المدني ، ثقة ثبت من رجال الجميع وكان يرسل ، روى عن أنس والسائب بن يزيد وغيرهما وعنه الليث والسفيانان ومالك وجماعة ، مات سنة تسع وعشرين ومائة .

                                                                                                          ( مولى عمر بن عبيد الله ) بضم العين ابن معمر بن عثمان بن عمرو بن سعد بن تيم بن مرة التيمي ، كان أحد وجوه قريش وأشرافها ، جوادا ممدحا شجاعا له في الجود والشجاعة أخبار شهيرة ، مات بدمشق سنة اثنين وثمانين وجده معمر صحابي ابن عم أبي قحافة والد [ ص: 181 ] الصديق .

                                                                                                          ( عن سليمان بن يسار ) الهلالي المدني مولى ميمونة وقيل أم سلمة ، ثقة فاضل كثير الحديث أحد الفقهاء السبعة بالمدينة وعلمائها وصلحائها ، مات سنة أربع ومائة وقيل سنة سبع وقيل سنة مائة وقيل قبلها سنة أربع وتسعين عن ثلاث وسبعين سنة .

                                                                                                          ( عن المقداد بن الأسود ) بن عبد يغوث الزهري تبناه وهو صغير فعرف به ، وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة البهراني بفتح الموحدة والراء ، قبيلة من قضاعة ثم الكندي حالف أبوه كندة ثم الزهري ، صحابي مشهور من السابقين شهد المشاهد كلها وكان فارسا يوم بدر ولم يثبت أنه شهدها فارس غيره ، روى عنه علي وابن مسعود وابن عباس وجماعة ، مات سنة ثلاث وثلاثين اتفاقا وهو ابن سبعين سنة وفي ، الإسناد انقطاع سقط منه ابن عباس لأن سليمان بن يسار لم يسمع المقداد لأنه ولد سنة أربع وثلاثين بعد موت المقداد بسنة ، وقد أخرجه مسلم والنسائي من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس ( أن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل إذا دنا ) قرب ( من أهله ) حليلته ( فخرج منه المذي ، ماذا عليه ؟ ) وذكر أبو داود والنسائي وابن خزيمة سبب السؤال من طريق أخرى عن علي قال : كنت رجلا مذاء فجعلت أغتسل منه في الشتاء حتى تشقق ظهري .

                                                                                                          وفي الصحيحين عن ابن الحنفية عن علي : فأمرت المقداد أن يسأل ، وكذا لمسلم عن ابن عباس عنه .

                                                                                                          وللنسائي أن عليا أمر عمارا أن يسأل .

                                                                                                          ولابن حبان والإسماعيلي أن عليا قال : سألت ، وجمع ابن حبان بأن عليا أمر عمارا أن يسأل ثم أمر المقداد بذلك ثم سأل بنفسه ، قال الحافظ : وهو جمع جيد إلا آخره لأنه مغاير لقوله : ( قال علي : فإن عندي ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أستحي أن أسأله ) وللبخاري : فاستحيت أن أسأل لمكان ابنته .

                                                                                                          ولمسلم : من أجل فاطمة .

                                                                                                          قال الحافظ : فتعين حمله على المجاز بأن بعض الرواة أطلق أنه سأل لكونه الآمر بذلك وبهذا جزم الإسماعيلي ثم النووي ، ويؤيد أنه أمر كلا من المقداد وعمار بالسؤال ، ما رواه عبد الرزاق عن عابس بن أنس قال : تذاكر علي والمقداد وعمار المذي فقال علي : إنني رجل مذاء فاسألا عن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله أحد الرجلين .

                                                                                                          وصحح ابن بشكوال أن المقداد هو الذي تولى السؤال وعليه فنسبته إلى عمار مجاز أيضا لكونه قصده لكن تولى المقداد السؤال دون عمار .

                                                                                                          ( قال المقداد : فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال : إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح ) كذا ليحيى ، ورواه ابن وهب والقعنبي وابن بكير [ ص: 182 ] فليغسل ، والنضح لغة : الرش والغسل ، فرواية يحيى مجملة يفسرها رواية غيره ، قاله أبو عمر أي يغسل ( فرجه بالماء ) أي يتعين فيه الماء دون الأحجار لأن ظاهره تعين الغسل ، والمعين لا يقع الامتثال إلا به قاله ابن دقيق العيد وهو مذهب مالك .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : وليس في أحاديث المذي على كثرتها ذكر الاستجمار ، وصححه النووي في شرح مسلم ، وصحح في باقي كتبه جواز الأحجار إلحاقا له بالبول ، وحمل الأمر بالماء على الاستحباب أو على أنه خرج مخرج الغالب ، وفيه أيضا وجوب غسله كله عملا بالحقيقة لا محل المخرج فقط كالبول ، وقد رد الباجي إلحاقه بالبول بأنه يخرج من الذكر بلذة فوجب به غسل يزيد على ما يجب بالبول كالمني قال في النهاية : يرد النضح بمعنى الغسل والإزالة وأصله الرشح ويطلق على الرش ، وضبطه النووي بكسر الضاد ، واتفق في بعض مجالس الحديث أن أبا حيان قرأه بفتح الضاد فقال له السراج الدمنهوري : ضبطه النووي بالكسر فقال أبو حيان : حق النووي أن يستفيد هذا مني وما قلته هو القياس .

                                                                                                          قال الزركشي : وكلام الجوهري يشهد للنووي ، لكن نقل عن صاحب الجامع أن الكسر لغة وأن الأفصح الفتح .

                                                                                                          ( وليتوضأ وضوءه للصلاة ) أي كما يتوضأ إذا قام لها لا أنه يجب الوضوء بمجرد خروجه كما قال به قوم ، ورد عليهم الطحاوي بما رواه عن علي قال : سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المذي فقال : " فيه الوضوء وفي المني الغسل " فعرف أنه كالبول وغيره من نواقض الوضوء لا يوجب الوضوء بمجرده ، قال الرافعي : وفي قوله وضوءه للصلاة قطع احتمال حمل التوضي على الوضاءة الحاصلة بغسل الفرج ، فإن غسل العضو الواحد قد يسمى وضوءا كما ورد أن الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر والمراد غسل اليد .

                                                                                                          وفي رواية للشيخين : " توضأ واغسل ذكرك " والمعنى واحد فيجوز تقديم غسله على الوضوء وهو أولى ، وتقديم الوضوء على غسله ، لكن من يقول بنقض الوضوء بمس الذكر يشترط أن يكون ذلك بلا حائل ، واستدل به على قبول خبر الواحد وعلى جواز الاعتماد على الظن مع القدرة على المقطوع به وفيهما نظر ; لأن السؤال كان بحضرة علي روى النسائي عنه فقلت لرجل جالس إلى جنبي : سله فسأله ، وقد أطبق أصحاب الأطراف والمسانيد على إيراد هذا الحديث في مسند علي ولو حملوه على أنه لم يحضر لأورده في مسند المقداد ، ثم لو صح أن السؤال كان في غيبة علي لم يكن دليلا على المدعي لاحتمال وجود القرائن التي تحف الخبر فترقيه عن الظن إلى القطع قاله عياض .

                                                                                                          وقال ابن دقيق العيد : المراد بالاستدلال به على قبول خبر الواحد مع كونه خبر واحد أنه صورة من الصور التي تدل وهي كثيرة تقوم الحجة بجملتها لا بفرد معين منها ، وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء ، وفيه ما كان عليه الصحابة من حفظ حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره [ ص: 183 ] واستعمال الأدب في ترك المواجهة بما يستحيا منه عرفا وحسن العشرة مع الأصهار ، وترك ذكر ما يتعلق بجماع المرأة ونحوه بحضرة أقاربها ، واستدل به البخاري لمن استحى فأمر غيره بالسؤال ; لأن فيه جمعا بين المصلحتين استعمال الحياء وعدم التفريط في معرفة الحكم .




                                                                                                          الخدمات العلمية